السلطة الرابعة : الزعيم خالد العظم .. ماذا فعل في ليلة السابع من اذار 1963 زمن انقلاب البعث !

السلطة الرابعة : الزعيم خالد العظم .. ماذا فعل في ليلة السابع من اذار 1963 زمن انقلاب البعث !

في ٧ آذار ١٩٦٣.. ليلة الثامن من آذار كان خالد بك العظم رئيس الوزراء يتناول العشاء في بيت الأهل مع مجموعة من أصدقائهم..

رن التلفون و كنت بجانبه فرفعت السماعة ليخاطبني شخص بجدية: عمو أنا عبد الكريم زهر الدين (قائد الجيش).. خالد بك عندكم؟

” نعم لحظة عمو ” و أسرعت فخوراً لأعلم خالد العظم.. فأتى ليتحدث إليه و أنا بقربه أسترق السمع.. أما كلام الفريق عبد الكريم زهر الدين فعرفته من والدي عندما حدّثه خالد بك بعد نهاية المكالمة..

– ما الأمر؟
– هناك ضابط متهور موجود في الجبهة.. جمع لواءه و هو يتقدم نحو دمشق ليقوم بإنقلاب..
– هل قلت له أن ترك الجبهة جريمة لا تغتفر؟
– طبعاً.. لكنه لم يأبه لذلك..
– قل له أننا حكومة شرعية منتخبة و لم نعد نمثل الذين انقلبوا على عبد الناصر.. فليتق الله و يعود الى معسكره.. و عد إلي بالخبر..

رن الهاتف ثانية.. و قال له الفريق: “ما في فائدة معنٍد.. و قال ما في قوة في الأرض ستمنعه من القدوم”

– هل تستطيع منعه؟
– نعم و لكن الجيش سينقسم..
– إذاً.. قل له إن خالد العظم يقول لك: لذنبي (و في الحقيقة استعمل كلمة أشد لن أذكرها)..

ذهب خالد بك الى والدي و شرح له الأمر ثم خرج.. و أصبحت ” لذنبي ” في بيتنا شعار الزاهد بالمنصب..

كان أكبر من المنصب..

عندما سئل خالد العظم قبيل وفاته: ما هي وصيتك؟ قال: ‘ادفنوني في بيروت’

رحمك الله.
خالد العظم (1903- 1965)
الرئيس (بصفة مؤقتة) للدولة السورية بين 4 نيسان – 16 أيلول 1941
ترأس الحكومة ستة مرات و تولى كرسيًا وزاريًا أكثر من عشرين مرة..
و أحد أبرز الزعماء السياسيين خلال فترة الجمهورية الأولى من تاريخ سوريا..
استملك حزب البعث على أملاكه و توفي عام 1965 في بيروت..

بقلم الدكتور سامي الخيمي

من هو خالد بك العظم

أسرة آل العظم عائلة دمشقية عريقة.. غدا خمسة من أفرادها ولاة لدمشق في العهد العثماني كان أشهرهم أسعد باشا الذي حكم هذه المدينة 14 عامًا.. خلال ولايته تم إنشاء قصر العظم و خان أسعد باشا وغيرها من التحسينات على بنية المدينة..

والد خالد العظم هو محمد فوزي باشا العظم الذي تولى رئاسة بلدية دمشق فأنجز فيها العديد من المشاريع.. كالمشفى الوطني و جر مياه عين الفيجة و المساهمة في بناء الخط الحديدي الحجازي.. و انتخب مرتين عضواً في مجلس المبعوثين العثماني نائباً عن دمشق كما عين وزيراً للشؤون الدينية غير أن سياسته الوطنية أقالته من المنصب سريعًا..

بعد خمسة وعشرين عاماً من زواج والديه ولد خالد العظم عام 1903 و عندما كانت أمه حاملاً به زارت ضريح خالد بن الوليد في حمص ونذرت إن وهبها الله مولوداً ذكراً أن تسميه خالداً.. درس القانون في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1923..

عام 1930 أنشأ شركة الإسمنت الوطنية وأصبح مديراً لها ليقود البرجوازية الصاعدة.. و في منتصف الثلاثينات تقرب من قادة الكتلة الوطنية الحركة الأساسية المناهضة للانتداب.. و في نيسان 1941 وعندما حاول الفرنسيون إيجاد رجل تسوية يوازن بين المطالب الوطنية و المصالح الفرنسية اختاروه رئيساً للوزارة مخولا بصلاحيات رئيس جمهورية لكن وزارته لم تدم طويلا ليحل محله في نفس العام تاج الدين الحسني الموالي للفرنسيين..

كلف بتشكيل وزارة وطنية أدارت المفاوضات مع فرنسا من أجل عقد معاهدة تضمن استقلال سورية.. أبرمت المعاهدة تحت ضغط الحرب العالمية الثانية على فرنسا التي سرعان ما تراجعت عن الالتزام بتنفيذ بنودها و طالبت الوزارة بالاستقالة و قصفت مدينة دمشق بالمدفعية والطائرات.. عقدت الوزارة الوطنية اجتماعاً في قصر خالد العظم.. فقامت القوات الفرنسية بقصف القصر بالقنابل للتخلص من أعضاء الوزارة دفعة واحدة.. و تهدم الجزء الجنوبي من القصر نتيجة الغارة… توترت العلاقة بين القوتلي و العظم عندما سعى القوتلي لتعديل الدستور ساعيا لفترة رئاسية ثانية فرفض العظم و شكل جبهة ضده فأبعده القوتلي بتعينه سفيرا في فرنسا و أقام في باريس لمدة عام قام خلالها بشراء الأسلحة للجيش السوري المشكل حديثا و وصلت الشحنة الأولى عام 1948.. في ذلك الوقت واجه القوتلي أزمة وزارية حادة و كان بحاجة لشخصية مستقلة فوجد الخيار في خصمه اللدود و طلب منه العودة إلى دمشق فوراً لتشكيل حكومة جديدة.. لكن العظم كان يؤثر الاستمرار بالمفاوضات لترتيب صفقة السلاح.

وفي العام 1948 كلف العظم بتشكيل وزارة مستقلة فتجاوز خلافه مع القوتلي في محاولة لمعالجة تداعيات النكبة. بين عامي (50-51 ) شكل العظم ثلاث وزارات مكلفاً بالحد من نفوذ العسكر والإصلاح الإقتصادي.. في هذه الفترة قام بإجراءاته الشهيرة بالقطيعة الاقتصادية مع لبنان وإغلاق الحدود حماية للصناعة السورية و إقامة مرفأ اللاذقية للتخلص من سيطرة مرفأ بيروت على واردات سورية الجمركية.. ابتعد العظم عن السياسة في فترة حكم أديب الشيشكلي لكنه عاد إلى معتركها بزوال الحكم العسكري مرشحا للرئاسة في تنافس واضح مع الصديق العدو شكري القوتلي عام 1955.. ربح القوتلي و خسر العظم و أصيب بذبحة قلبية ليعود إلى الظل فترة قصيرة.. و لكنه تجاوز الأمر و عمل تحت أمرة خصمه كما كان يعمل سابقاً.. و عاد في تشرين 1956 وزيرا للدفاع في وزارة صبري العسلي لاعباً فيها دورا محوريا في توجهه لإقامة تحالف مع الاتحاد السوفيتي وهو صاحب نظرية الانفتاح على المعسكر الشرقي و استيراد السلاح منه كونه الضمانة الوحيدة لاستقلال سوريا و لذلك لقب بالمليونير الأحمر.. وخلال سنوات الوحدة اعتكف العظم في بيروت ولم يلعب أي دور في السياسة معارضاً اشتراكية عبد الناصر معتبراً أنه يدمر النظام الديمقراطي والاقتصاد الحر داعيا السوريين للتفكير مرتين قبل استدعاء غريب ليحكمهم و بسقوط الوحدة عام 1961 عاد إلى سورية.. و في أيلول 1962 كلفه القدسي بوزارته السادسة و الأخيرة في محاولة لضبط الوضع المعقد في هذه الوزارة انصب همه على إنهاء الإجراءات الاشتراكية التي طبقت في عهد الوحدة و اقترح إعادة جميع المصانع و المؤسسات الاقتصادية إلى أصحابها لكن هذا الاقتراح لم يأخذ طريقه للتطبيق أبدا فقد حدثت ثورة آذار 1963 و أصدرت أوامر باعتقال رئيس الجمهورية ناظم القدسي و رئيس الوزراء خالد العظم و أسقاط حقوقهم المدنية و مصادرة أملاكهم.. فلجأ القدسي لعمان بينما لجأ العظم للسفارة التركية في دمشق التي كانت مستأجرة الطابق السفلي في بنائه الواقع في حي أبو رمانة.. ثم انتقل خالد العظم لاحقا إلى بيروت حيث عاش في ظروف مادية صعبة بعد أن استملك حزب البعث على أملاكه في البلاد.. توفي و دفن في بيروت في 18 تشرين الثاني 1965.. و قد طلب في وصيته أن يدفن في بيروت و ألا يحمل إلى دمشق لكي لا تضطرب المدينة و أنصاره فيردّ عليهم بالرصاص و يسقط قتلى و جرحى.. اختلفت الآراء بالعظم أثناء حياته و بعدها.. فقد عبّر العظم بشكل أو بآخر عن اللبرالية (كمدرسة سياسية) و لذلك لقب بمهندس اللبرالية التي لم تستمر طويلاً في سورية بعد أن التحقت بالركب الاشتراكي.. وسمي أيضاً بالمليونير الأحمر لميله لبناء علاقات سياسية مع المعسكر الشرقي.. معارضته للوحدة مع العراق الهاشمي جلبت له عداء حزب الشعب البرجوازي.. أما الاشتراكيين فاعتبروه رأسمالياً متزمتاً و أرستقراطياً ثريا يستعبد الطبقة العاملة.. أما العسكر فلم يحبوه لأنهم رأوا أنه مولع بالتسويات و الحلول الوسطى و كان يرفض تدخل الجيش بالسياسة.. آخرون اعتبروه براغماتي حتى العظم لا يملك قاعدة إيديولوجية لمواقفه.. و البعض قال أن خالد العظم كان لديه هم وحيد و هو أن يصل إلى المركز الأول في سوريا فيجلس على مقعد الرئاسة.. لكن الجميع.. الجميع دون استثناء رأوا أنه أحد أكفأ وأشرف القادة السياسيين السوريين لفترة ما بعد الاستقلال …

السلطة الرابعة : من ذاكرة الوطن : فريق الرصد والمتابعة

شارك