
السلطة الرابعة : فواز تللو …سوريا العيد والألم والثورة !!!
الجميع تقريباً يشعر بالحنين للطفولة والأيام الخالية لا لأنها كانت جميلة بالضرورة، نعم هناك لحظات جميلة لكن هناك عادة أسى أكثر بالكثير، نحن نفتقد فقط تلك اللحظات القليلة الجميلة في زمن الطفولة، نفتقد فترة الطفولة التي أعطت أماناً نسبياً أعطاه بيت الأهل بعيداً عن المسؤوليات الملزمة المتعبة، نشعر بالحنين إلى عمر الطفولة لأن الأحلام كانت فيه كثيرة وكبيرة ومفتوحة مع ذلك الزمن المبكر بلا حدود من عمر مضى أكثره لم يعد يسمح بالكثير،
مقابل واقع قيد الأحلام والطموحات، بل يسيطر الحنين حتى لو حقق الإنسان الكثير في لحظته الراهنة، لأنه يحاول اختصار حياته في لحظات السعادة النسبية القليلة الماضية، لكن وعندما يمعن التفكير في حاضره سيراه مقبولاً عموماً وجيداً غالباً، فهو ممر إجباري لمستقبل أجمل، فإنجاز الحاضر له أوجه عديدة يميل البعض لتجاهلها وسط زحمة الحياة، أوجه جميلة كحياة مقبولة مادياً وأبناءً ناجحين وأحفاداً جميلين، وصحة مقبولة وأمانٍ عميق، فلكل زمن جمالياته وأحلامه.
ثورتنا السورية يمكن أن ننظر لها أيضاً بنفس المنظار، فهي تعبر طريق الأشواك الإجباري الذي مرت به ثورات كثيرة كل بطريقتها قبل أن تنتصر وتصنع شعوبها الحياة والمستقبل، فصبراً أهلنا السوريين النبلاء الكرام ولا تجزعوا ولا تصغوا للمثبطين، ارتفعوا للأعلى لتحيطوا بالمشهد كاملاً بعدسة واسعة زمنية وجغرافياً وسترون الخير القادم، ففي يوم قريب ستنتصر الثورة ونتخلص من الفوضى التي تليها، وسنشعر لحظتها بسعادة من نوع فريد لم نعرفه من قبل، سنشعر بعدها بأمان نحن وأبناؤنا وأحفادنا ما شاء الله الكريم.
وكأنني أراها أمامي الآن، فشاركوني الرؤية، حيث نسترخي آمنين في يوم قريبٍ بإذن الله لنحكي في سهراتنا لأولادنا قصة الثورة وولادة سوريا الجديدة الجميلة من بدايتها، كيف بدأت القصة بالأيام السوداء وفقدان الأمل قبل الثورة عندما ظن الكثيرون منا أن هذا النظام الأسود مؤبد، ثم كيف انطلقت الثورة والأحلام الكبيرة التي عشناها في البداية وظنناها سهلة كما أحلام طفولتنا، ثم عن المؤامرات والتكالب العالمي على ثورتنا واليأس الذي أصاب البعض في الطريق وكل التثبيط الذي مورس علينا لنتراجع، وكل الفوضى التي دخلت لتضيع البوصلة، تماماً كبعض لحظات منتصف العمر التي نمر بها ونحن غارقون في معركة الحياة ومسؤولياتها بعد انهيار أوهام المدينة الفاضلة وطريقها المعبد بالورود، ثم ونحن مسترخين آمنين سنخبر أبنائنا بخاتمة قصة الثورة وكيف انتصرنا في النهاية، ثم كيف استعدنا بعد الانتصار سوريا كاملة وبنيناها جميلة آمنة عزيزة عادلة حرة.
عندما نختم قصة الثورة لأبنائنا واحفادنا، سنستذكر في تلك اللحظات كم كان الثمن كبيراً لنصل إلى لحظة الأمان المسترخية ونحن نروي القصة كاملة، سيستغرب أبناؤنا كثيراً من حجم الجرائم بحقنا والمؤامرات والتكالب علينا، لكنهم سيقولون لنا أننا فعلنا خيراً، فلولا تلك التضحيات ما ختمنا نحن حياتنا بأمان، ولما تمتعوا هم بالحياة الكريمة والحاضر الذي يعيشونه ولما أملوا في المستقبل الذي ينتظرهم، ولولا معركة الأمس المكلفة لما وصلنا إلى أمان اليوم وحلم الغد، وفي تلك اللحظة من أحاديث سهرات ثورة الأمس سنستعيد شريط حياتنا ومعاناتنا وأفراحنا بسرعة لنختصره بحدث جميل واحد: “الثورة السورية”.
كل عام يا إخوتي وأهلي وملجئي السوريين النبلاء الكرام أينما كنتم في نزوحكم ولجوئكم وحصاركم وصمودكم، كل عام أيها الثوار في كل مجال عسكري أو مدني، كل عام يا أنبلنا وأجملنا أنتم الجرحى بجراحهم والمعتقلون في زنازينهم والشهداء في عليائهم وأهلكم في محراب صبرهم، كل عام أيتها المغتصبات في أبراج الشرف التي شرفتموها، كل عام يا إخوتي السوريين يا من أخرجتمونا من حظيرة العبودية إلى واحة الإنسانية، كل عام وأنتم جميعا بحرية وكرامة وعدالة وأمان في سوريا الجديدة الجميلة القادمة بإذن الله، وتذكروا دائماً تلك اللحظة الآتية يوم سنروي لأبنائنا قصة الثورة السورية، لنقول لهم كما نقول اليوم في لحظات الصفاء الروحي ونحن نستعرض شريط أعيادنا وحياتنا ومعاناتنا وآلامنا ونختصرها
بجملة واحدة: “مهما حصل ومهما طالت ومهما كان الثمن، الثورة السورية هي أجمل ما حصل في حياتنا”. عيد الأضحة الخامس للثورة السورية .
السلطة الرابعة : ألمانيا : فواز تللو – سياسي وكاتب سوري. برلين