السلطة الرابعة : شادي الخش . روسيا لا تحمي الأسد .. روسيا تحمي وجودها ومصالحها !

السلطة الرابعة : شادي الخش . روسيا لا تحمي الأسد .. روسيا تحمي وجودها ومصالحها !

لايمكن فهم هذه المرحلة الراهنة بدون الرجوع الى نفس المرحلة من القرن الماضي بترابط الأحداث وتشابهها في بعض الأحيان مما يضعها في سياق تاريخي متصل يستدعي منا مراجعته ومتابعته وصولا للحظة التي نعيشها اليوم.

وفي هذا السياق يجب علينا أن نتجه خلفا في التاريخ الى فترة نهاية الحرب العالمية الأولى والمحاصصة التاريخية للدول الكبرى المنتصرة في الحرب ونهاية الإمبراطورية العثمانية وتقاسم تركتها من قبل المنتصرين، والتي تجسدت أغلبها في إتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا ولاحقا القيصر الروسي ولن أدخل هنا في تفاصيل اتفاقية سايكس بيكو وتحليلاتها إلا بجزئية لها علاقة بالتوافق الروسي معها بشخص قيصر روسيا والذي كان بتقديري قصير النظر ولم يدخل في عمقها ولم يستشف خطورتها على روسيا أو على التاريخ بشكل عام فاكتفى حينها بمد حدود روسيا وصولا إلى البحر الأسود بدون الدخول في محاصصات لها علاقة بالمنطقة الأهم، وهي الشرق الأوسط ومضيق البوسفور .

وهذا الخطأ الذي يحاول بوتين اليوم ألا يكرره وسنأتي لهذا لاحقا. بعد الهدوء النسبي الذي صاحب انتهاء الحرب والمحاصصات التاريخية لمناطق النفوذ في العالم وقُبيل إندلاع الحرب العالمية الثانية والتي شهدت بداية ولادة الإتحاد السوفييتي وظهوره بعد فترة قصيرة كقوة لا يستهان بها، وخاصة ان نظرية مؤسسيه بدأت تُعتمد من مجموعة دول محورية في العالم وتشكل تهديدا حقيقيا على الدول الرأسمالية وتأذن بولادة قطب يمتلك من القوة والفكر والطاقة مايمكن ان يهدد وجودها برمته، وخاصة أن النظرية الشيوعية والإشتراكية بدأت تأخذ مفاعيلها في أوساط شعوب الدول التي كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني والفرنسي مثل سوريا ولبنان والاردن ومصر والعراق وغيرها من دول الشرق الأوسط وتشكلت الأحزاب الحمراء وبدأ النشاط المعادي للرأسمالية والإمبريالية وغيرها..

ومع مرورالوقت؛ وتفاعل القضية الفلسطينية والدعم اللامحدود للصهيونية من قبل الأوربيين لقيام دولة اسرائيل على أرض فلسطين اصبحت روسيا قُبلة الكثير من القيادات وحليفا قويا على أتم الاستعداد لدعم كل هذه القوى الناشئة ومدها بكل ما تحتاجه

( مع أنه ولاحقا كانت روسيا أول من اعترف بقيام دولة اسرائيل وحقها في اغتصاب دولة فلسطين ) وفي منتصف الأربعينيات قامت الحرب العالمية الثانية والتي كانت نتيجتها ظهور الدب الروسي منتصرا أمام القوة الأعظم في ذلك الوقت وهي المانيا، والتي كانت تكتسح اوربا كاملة .

وبالتزامن ظهرت اميركا بقنابلها الذرية وأساطيلها البحرية والجوية القوة الثانية وانتهى رسميا عهد الإمبراطوريات القديمة البريطانية والفرنسية واليابانية وغيرها وأصبح العالم أمام القطبين الأقوى الغير متحالفين واللذان يهددان وجود البشرية بإمتلاكهما لأسلحة الدمار الشامل التي لم يكن لها وجود سابقا في هذه الفترة كانت دول منطقة الشرق الأوسط تتحرر تباعا من الإحتلال الفرنسي والبريطاني والإيطالي وترزح كلها تحت عبء النهوض مجددا بعد عقود من الاحتلال الأوربي وقرون من الاحتلال العثماني خلال هذه الفترة كان هناك سباق بين كلا القطبين الأقوى الروسي والأميركي لإيجاد الحلفاء حول العالم وتقاسم العالم وفق نظريات الاحتلال الجديدة،

وهي الهيمنة الإقتصادية بدون القوة العسكرية، فالجميع خرج منهكا من الحرب العالمية، ولا رغبة لأحد في الدخول في حروب جديدة واستطاع الإتحاد السوفييتي ان يصنع حلفاء له في الشرق الأوسط عبر الأنظمة التي حكمت مصر وبشكل اساسي بعد العدوان الثلاثي وتحدي بناء السد العالي فكان مدخلا لصنع تحالفات طويلة الأمد، وكان لموضوع التبني الأمريكي لإسرائيل العامل الأقوى في قبول شعوب وأنظمة المنطقة للتحالف مع الروس المعادين لأميركا ( رغم أنهم أي الروس كانوا الخزان البشري الأكبر والمُصدرالأول لليهود الى فلسطين)

ومع ذلك ظهر الإتحاد السوفييتي على أنه صديق وداعم لدول الشرق ضد الغرب المهيمن الرأسمالي الإمبريالي واستطاعت نظرياته أن تتغلغل عميقا في مجتمعات مختلفة فكريا ودينيا وإجتماعيا بشكل كلي عن روسيا لاحقا ومع نهاية حقبة الستينيات وبداية السبعينيات وظهور طبقة الدكتاتوريات الجديدة التي استطاعت الوصول إلى الحكم في كل من سوريا واليمن وليبيا والعراق والدعم الذي أظهره الاتحاد السوفيتي خلال حرب تشرين (اكتوبر) للدول العربية التي خاضت الحرب وبسبب الدعم المعاكس الأميركي للصهيونية تبلورت حدود العلاقات وأصبحت روسيا هي الحليف الإستراتيجي القوي والوصي على كثير من الأنظمة العربية وعلى رأسها سوريا وليبيا وساهمت بشكل فعلي في توطيد دعائم حكم هذه الأنظمة وكان حينها حافظ الأسد الحليف الأقوى للروس في المنطقة واستطاع الإفادة منهم على كل الأصعدة؛

وليس منهم فقط بل من كل الأنظمة الشيوعية في العالم فشكل تحالفات مع حلفاء الروس الأساسيين من كوريا الشمالية الى كوبا مرورا بكل دول أوروبا الشمالية بلغاريا، تشكوسلوفاكيا رومانيا،المجر، والمانيا الشرقية، حتى الصين التنين الذي بدأ يستفيق في هذه المرحلة في حقبة الثمانينيات ومع اشتداد التوتر بين الإتحاد السوفييتي وروسيا وتفاعل الحرب الباردة بينهما ومحاولة كل طرف منهم ايجاد مواقع لقواعد صواريخه وبوارجه خارج حدوده كان البحر المتوسط هدف رئيسي للسيطرة عليه فامريكا تمتلك قاعدة قوية من خلال اسرائيل وبالمقابل أوجدت روسيا لنفسها قواعد أسترتيجية من خلال سوريا وليبيا،

والسباق في أوجه للسيطرة على مناطق أخرى ولكن تعاقب الإدارات الفاشلة على الإتحاد السوفييتي ودخولها في مستنقعات صراعات خاسرة وعلى رأسها افغانستان كان يحد من قدرتها على التقدم ويكبدها خسائر فادحة هنا كانت تدور حرب فعلية بين القطبين الأقوى ولكن ليس عبر مواجهات عسكرية مباشرة بل بالوكالة عبر أطراف هنا وهناك وفي الثمانينيات أيضا بدأت حرب خفية أخرى لها علاقة بالسيطرة على صدر المتوسط ليس لها علاقة بالقوة العسكرية هذه المرة،

بل لها علاقة بطاقة المستقبل البديلة عن النفط؛ وهي الغاز المكتشف في المتوسط ضمن الحدود الإقليمية الممتدة من شواطئ سوريا إلى لبنان وفلسطين وصولا إلى قبرص، والذي قدر بأنه الحقل الأكبر الموجود على سطح الكرة الأرضية فأصبح نقطة خلاف رئيسية جديدة بينهما للسيطرة عليه واستطاعت روسيا بناء قاعدة قوية في مدينة طرطوس السورية الساحلية ظهرت كأنها قاعدة عسكرية، ولكنها في الحقيقة قاعدة مؤسسة لتكون قادرة في المستقبل على مد ازرعها الى البحر لإستخراج طاقة المستقبل البديلة مع قدوم حقبة التسعينيات وانهيار الإتحاد السوفييتي وتضاؤل قوته ودخوله في صراعات داخلية وانحسار النظرية الإشتراكية وانفضاض اكثر الدول الأوربية من حول الدب الروسي، وانضمامها لاحقا للإتحاد الأوربي.

تغول الثور الأميركي في العالم، وأصبح القوة الأعظم والقطب الأوحد وبدأ ببناء نظرية تعتمد على الهيمنة الإقتصادية وإعادة تشكيل العالم وفق مصالحه وإعادة صياغة النظريات القديمة بما يتوافق معه فجاءت نظرية الشرق الأوسط الجديد ونظرية الفوضى الخلاقة التي اشتهرت بعد اعلانها من وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس/عام 2005 كإعلان حقبة جديدة للهيمنة على العالم معتمدة على عدم وجود قوة مقابلة تمنعها من الاستمرار في مخططاتها وخاصة أنها انطلقت بها بحدث عظيم مزلزل أوجدته كحجة لكي تجتاح دول وتدمرها، وتزيل أنظمة،

وهو حادثة تفجير برجي التجارة العالمية في 9/11 ومنها انطلقت بدون اعتراضات بحجة أن لها الحق بالإنتقام من الدول التي ساهمت في هذا الحدث العظيم ومع قدوم عام 2010 وبدء ما أطلق عليه الربيع العربي كانت الفرصة سانحة تماما لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، وإعادة صياغة المنطقة وفق المصالحها المستقبلية،

وعلى رأسها إعادة صياغة اتفاقية سايكس بيكو، ولكن بتطبيق جديد تماما يعتمد على نظرية الاستنزاف والتدمير الذاتي والتفريغ وبعدها إعادة البناء والإحتلال بدون التدخل العسكري المباشر هنا وقفت روسيا للمرة الثانية أمام ذاكرة ليست بعيدة جدا، وأمام تحديات حقيقية لوجودها؛ ولإعادة هيبتها كقوة عظمى لم تزل واستدراكا لما فعله بقصور نظره القيصرالروسي سابقا بعدم مطالبته بمناطق نفوذ حقيقية في منطقة الشرق الأوسط جاء القيصرالروسي الجديد فلاديمير بوتين ليصحح الخطأ ويعلن ان روسيا مازالت تمتلك القوة الكافية لتدخل في تحدي جديد لانتزع حصتها من براثن الأمريكان وتجبر العالم على النظر اليها كقوة مازالت فاعلة في العالم،

وأنها لن ترضى بتقليص حصتها والوقوف متفرجة على الامريكان وهم يستحوذون على المنطقة مجددا فحاولت تثبيت ودعم القوة المعاكسة في سوريا بداية من الفيتو في مجلس الأمن مرورا بالدعم بالعتاد والأسلحة نهاية بالتدخل العسكري المباشر بنفس الحجة التي تدخلت بها كل الأطراف، وهي محاربة الإرهاب المتجسد بالقوة الخفية لتنظيم تم خلقه بين ليلة وضحاها الحقيقة أن روسيا مثلها مثل الباقين جميعا تبحث عن حماية مصالحها وتتسابق على اقتسام الكعكة والحصول على أكبر قطعة منها مستدركة الخطأ التاريخي القديم وأيضا لحماية حصتها في حقول الغاز المتوسطية ومن الواضح بأنها قررت الدخول حتى النهاية في هذا الأمر لعلمها انها قضية مصير بالنسبة لمستقبل روسيا وقدرتها على البقاء كدولة مهيمنة ومسيطرة وإن فاتها هذا سينتهي عهدها الى زمن غير معلوم،

وتكون الولايات المتحدة استطاعت أن تبني مجد امبراطورية لا تغيب عنها الشمس وفق معايير نظرياتها الجديدة وعلى أرض ممهدة. احرقت ودمرت وأخليت من سكانها لإستقبال عهد جديد مبني على أساس اقتصادي ينعش امبراطوريتها ويمدها بشكل مستمر بكل ما تحتاجه من الطاقة والمواد الخام والأسواق؛ وهذا ما تعلمه روسيا علم اليقين وقررت على اساسه ان تدخل الحرب عسكريا مهما كانت النتائج لتوقف المخطط الأمريكي ولايهمها بأي حال من الأحول من سيبقى أو يرحل على كرسي الحكم في سوريا أو غيرها من الدول المحيطة .

402652_435841199799517_1940007425_n السلطة الرابعة : شادي الخش

شارك