
طرفة بغجاتي : تعـــــــرف على قانون الإسلام الجديد في النمسا
قانون الإسلام الجديد في النمسا
تعتبرالنمسا من الدول النموذجية من ناحية الإعتراف بالإسلام كدين من أديان الدولة الرسمية و كون الهيئة الإسلامية جسما قانونيا للحق العام كممثل للمسلمين أمام أجهزة الدولة و هذا التمثيل مقتصر على الناحية الدينية فقط و لا علاقة له بالتمثيل السياسي أو الإيديولوجي أو العرقي. و من ميزات هذا الإعتراف المنصوص عليه في قانون الإمبراطورية النمساوية أيام القيصر الأخير فرانس جوزيف و الذي أصدر في عام ١٩١٢ و ذلك تبعاً لإنضمام البوسنة و الهرسيك للإمبراطورية النمساوية الهنغارية و فصلها عن الدولة العثمانية التي كانت وقتها تعيش أواخر أيامها كإمبراطورية عظمى. و هذا القانون أعطانا اليوم مزايا في النمسايكاد يحلم بها مسلموا أوربا جميعا و من أهمها تدريس الدين الإسلامي في المدارس النمساوية باللغة الألمانية و باستقلال إسلامي و لكن ضمن المنهاج النمساوي الرسمي و من معلمات و معلمين درسوا غالبيتهم في الأكاديمية الإسلامية هنا و يتقاضون رواتبهم من الدولة التي تدفع أيضاً تكاليف الأكاديمية. إضافة إلى سهولة نسبية لإقامة المقابر و إجراء الإشراف و الدعم الديني و الروحي للمسلمين في المستشفيات و الجيش و السجون. و لكن ظنت قيادة الهيئة الإسلامية أن القانون الذي جاوز عمره الآن مائة عام لا يغطي كل حاجات المسلمين و لا يفي بمتطلبات العصر و لذلك بدأ رئيس الهيئة السابق الأستاذ أنس الشقفة في العقد الماضي بالتحضير لتجديد و تفصيل هذا القانون و تابع العمل خلفه الدكتور فؤاد سنج و الذي فوض الحكومة النمساوية قرابة سنتين. و في تاريخ ٢٥ شباط ٢٠١٥ أقر البرلمان النمساوي القانون الجديد الذي لم يحظ بقبول الغالبية العظمى من مسلمي النمسا لكونه يحتوي على كثير من النقاط التي ما زالت تحتاج لنقاش و تعديل و أول هذه النقاط هو أن القانون الجديد ليس خاصاً بأعضاء الهيئة الإسلامية بل يفتح الباب لهيئات دينية أخرى فمثلا تم الإعتراف منذ عامين بالديانة العلوية الإسلامية بعد أن قدم بعض العلويين الأتراك هنا الطلب و رفض أولا و لكن أعطتهم المحكمة الدستورية الحق فهذا القانون يسري علينا و عليهم و على هيئات أخرى يمكن أن تؤسس في المستقبل و هنا يكمن خطر يهدد بتفتت الهيئة الإسلامية و التي تتحدث اليوم بصوت واحد لمسلمي النمسا سنة و شيعة و زيدية و إباضية على اختلاف مذاهبهم و توجهاتهم و يخشى أن تهدد هذه الوحدة في فتح باب في القانون الجديد، لذلك طالبنا و حبذنا إصدار قانون واحد لجميع المسلمين هنا المنتسبين للهيئة الإسلامية، أما غير المنتسبين و الذين يودون تأسيس هيئة خاصة بهم فهذا شأنهم و شأن الحكومة يمكن أن يصدر لهم قوانين خاصة أو لا تماماً كحال الديانة المسيحية و أتباعها من الطوائف. و هناك بعض الإيجابيات و هي على سبيل المثال الأعياد الدينية فالقانون يعترف بهذه الأعياد دون أن تكون عطلة رسمية و لكن هذا الإعتراف يساعد المسلمين على أخذ إجازة في هذه الأيام. موضوع مهم آخر هو موضوع السماح بختان الذكور كشعيرة إسلامية و القانون ينص على منع ختان الأنثى و ليس عندنا أي مشكلة في هذا حيث أننا هنا من مناهضي ختان الأنثى باعتباره لا علاقة له بدين الاسلام و لأضراره و لكونه أصلا ممنوع بل و مجرم في القانون النمساوي. و لا يخفى علينا أن هناك أصوات تنادي بمنع ختان الذكور لليهود و المسلمين و لذلك وجب تأطير الأسس القانونية للسماح به. كما أنه من المهم تأطير أحكام الطعام من ذبح إسلامي و تحريم للدم و الخنزير و بذلك يكون حق. المسلمين بطعام يناسب شريعتهم مضمون بنص القانون. أما النواحي السلبية فهناك بعض النقاط في هذا القانون إضافة إلى ما ذكرناه بداءة و من أهمها منع التبرعات من خارج النمسا للمنظمات الاسلامية و إيقاف رواتب الأئمة التي تدفع من بلاد اخرى و خاصة تركيا مما قد يؤدي إلى إغلاق عشرات المساجد في النمسا و هذا يؤدي بدوره إلى نمو التطرف و الغلو لا إلى مكافحتهما كما يدعي وزير الإندماج و الخارجية هنا سيباستيان كورتس. و بذلك نقول أن الموضوع حساس و خطير حيث أنه يؤثر على حياة الأجيال من بعدنا و لذلك وجب دراسته بعمق و شفافية و موازنة تجنبا لإقرار أي شئ يمكن ان يؤدي الى حرمان المسلمين من أي حق هو بحوزتهم اليوم. فلسان مسلمي النمسا يقول: نعم لتأطير قانوني مواز للعصر و لكن لا لأي تمييز سلبي مقارنة مع الأديان الاخرى المعترف بها على خلاف طوائفها مسيحية و يهودية و بوذية. للأسف لم تستطع قيادة الهيئة الإسلامية إلا تغيير بعض النقاط التي لم تكف لجعل هذا القانون مقبولا ناهيك عن أن يكون مرحباً به من قبل المسلمين هنا.
لذلك أرى أن يوم ٢٥ شباط ٢٠١٥ كان يوماً حزيناً للديمقراطية النمساوية و قد قررت بعض الجمعيات هنا الطعن في القانون أو بعض مواده في المحكمة الدستورية للبلاد و ستكون الكرة وقتها في ملعب قضاة الدستور في هذا البلد و لكن كثير من فقهاء القانون و الدستور أعلنوا صراحة ارتيابهم من نقاط تخالف الدستور حسب رأيهم في هذا القانون.
و أهم نقطة ينبغي البناء عليها عند تقديم الاعتراض أمام المحكمة الدستورية برأي الأستاذ أنس الشقفة هي مخالفة القانون الجديد بروحه وبعض مواده لمبدء دستوري نمساوي أصيل قائم على أساس الفصل بين الدين والدولة (المدنية المحايدة)، وهو مبدأ منع الدولة من التدخل في الشؤون الداخلية للكنائس والهيئات الدينية الرسمية المعترف بها كهيئات حق عام، فالقوانين المنظمة لعلاقة الدولة بهذه الكنائس والهيئات على اختلافها، تنص على أن الغرض منها هو تنظيم الشؤون الخارجية لتلك الكنائس والهيئات، بمعنى علاقاتها مع دوائر الدولة، ومع بعضها، والغير. وأما صياغة معتقداتها، وطقوسها، وعباداتها، وهياكلها التنظيمية فهي من الشؤون الداخلية، ولا يجيز الدستور الاتحادي النمساوي للدولة و دوائرها حق التدخل فيها، و هذا ما أقدم عليه المشرع النمساوي هذه المرة! ولكن النظام الحقوقي النمساوي راعى مثل هذه الحالات، وأوجد محكمة دستورية مستقلة، تنظر في مدى تطابق القوانين التي يقرها البرلمان مع بنود الدستور، أو مع المبادئ الدستورية الحاكمة.
يبقى موضوع تساوي المواطنين النمساويين، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين، أم أشخاصا اعتباريين ( مثل هيئات الحق العام والخاص) و هذا مبدء دستوري آخر لم يراعيه المشرع لدى صياغة قانون الإسلام الجديد، ويجب الاعتراض أمام المحكمة الدستورية على ذلك حسب الأستاذ أنس الشقفة، وأما البقية فتفاصيل تحل، إذا حلت معضلة تدخل الدولة في الشأن الداخلي، وإهمال المشرع لمبدء المساواة أمام القانون!
بغض النظر عن كل هذه المواضيع نقول أن علينا كمسلمين نمساويين التعامل مع الموضوع بأقصى حكمة و هذا لا يعني أن الدنيا قامت و لن تقعد و يجب أن نتعلم من دروس الماضي و نتعامل كمواطنين لهذا البلد لهم جميع الحقوق و عليهم جميع الواجبات و الأيام التي تمر علينا عصيبة و خاصة لخلط يجري دائماً بين الإندماج و الهجرة و اللجوء و بين مكافحة التطرف و الإرهاب مما يؤدي إلى فقدان لشئ من الثقة المتبادلة و إلى جو متكهرب و مشحون بين فئات المجتمع و هذا ما يجب أن نصر عليه قولاً و عملاً و هو أننا نعيش مسلمين و غير المسلمين في نفس القارب الذي تهدد أي إساءة له مواطني هذا البلد جميعهم على اختلاف مشاربهم و أديانهم و خلفياتهم و مذاهبهم.
Copyright ©Kisling/Foto Knoll
طرفة بغجاتي، رئيس مبادرة المسلمين النمساويين و عضو اللجنة الإدارية للهيئة الإسلامية في ڤيينا و المسؤول الثقافي فيها ” ڤيينا “،
مارس آذار ٢٠١٥