السلطة الرابعة : سمر بغجاتي : سورية… الشمعة الرابعة تنطفئ بصمت
وأعود إلى آذار 2011، هو الربيع الذي اعتدنا عليه كل عام، إلا أنه جاء يومها مسرعا ومحملا بروائح غريبة! الهواء كان يعبق بعطر مختلف، عطر لم نعتد عليه، عطر دخل عبر مسامات جلدنا وانسل إلى الدماء فتغيرنا إلى الأبد. وكل ما كان مخزنا بالصدور خرج يعلن ولادة جديدة. كنت سعيدة، لكن خوفي كان يلوث تلك السعادة التي أحسستها ذاك الصباح عندما سمعت هدير الأصوات تحت شرفة منزلي وبعدها بدأ أزيز الرصاص.. ثم أصوات الخطوات تتعالى وصرخات تنادي بعضها بعضا .. وأخيرا عم الصمت… كانت تلك أول مظاهرة تخرج في مشروع دمر الضاحية الدمشقية المحاصرة حاليا. انتهى العام الأول وبدأ الثاني ومعه بدأت وجوه أليفة بالرحيل، بعضها غاب بين الجدران الباردة وبعضها الآخر أصبح تحت التراب..! سالت دماء كثيرة .. وذرفت دموع لو جمعت لفاضت البحار. ومضى العام الثالث.. والحمم أصبحت تتطاير فوق رؤوسنا ونحن بانتظار.. بيوت تتهاوى فوق ساكنيها ونحن بانتظار .. أطفال نيام يأخذهم ملاك الموت على غفلة منهم.. ونحن بانتظار! وها نحن مع نهاية العام الرابع نصلي علنا نجد من ينقذنا أو ينقذ ما تبقى من أرواحنا، من ترابنا ومن سمائنا…!! لكن حكايتنا تحولت إلى فيلم طويل يستقطب ملايين المشاهدين حول العالم ومازالت إيراداته ترتفع فلماذا يتوقف العرض الآن! الممثلون يعيشون من الأرباح الخيالية والمخرج بنى لنفسه قصرا خارج حدود الزمان والمكان، وكاتب السيناريو يحلم بجائزة السلام! البحر واسع وأسماكه جائعة بانتظار اللحم الحي الطازج.. وأراضيهم شاسعة بحاجة إلى من يسكنها ومن يرغب بالوصول إلى أرض الأحلام فليركب البحر ولا يخش من الغرق… وبدأت رحلة الهروب فالموت واحد…غرقا قهرا أو قنصا. هنا نعتقد أن الحكاية وصلت لذروتها ونكاد نستعد للنهاية لكن يبدو أن العرض يجب أن يستمر! يخرج الوحش من مرقده مدعيا نبوة ليست له حاملا سيفا مرصعا بلهب الحقد يجتث من بقي من بشر ثم يلتفت للحجر وينزل به بمطارقه الضخمة يريد أن يعيده رمالا. يريد أن يعيد رسم الصحراء التي كانت يوما وكأن بينه وبين التاريخ ثأرا قديما ولن يشفى غليله ولو شرب كل الدماء التي أراقها وعجن بها الحجارة التي سواها …وصرخاتنا ضاعت في سماء فارغة إلا من هدير الأرواح. وأتذكر حلما كان على وشك الاكتمال، قبل أن يكشف القاتل عن نفسه، ونصرا رفعنا كؤوسنا بانتظاره، وأغنيات هزت وجداننا الغافي. لكنه حلم لم يدم طويلا.. حتى أحلامنا حرام علينا.. سرقوه وباعوه واشتروا به ضمائر ماتت منذ زمن. هانحن اليوم محكومون بالموت برا كان أو بحرا .. أما السماء فلا تسمح بالعبور إلا لأرواحنا. النفق الذي كان النور في نهايته تم ردمه… لكننا سنعيد حفره بعد أن جبل بالدم.. وأصبح التراب أكثر حنانا ودفئا.. الكلمات انتهت…والشمعة الرابعة تنطفئ بصمت، لكن المعاول مازالت تبحث عن بقعة الضوء التي كانت يوما. سمر بغجاتي آذار 2015