
السلطة الرابعة : حمد طلاع شهاب الجبوري ..شركات السلاح ودورها برسم الخرائط الجيوسياسية !
إن أهم نتائج الحرب الأميركية الأسبانية عام 1898هي ولادة الشعور لدى الأميركان بضرورة بناء إمبراطورية القوة والهيمنة على العالم فقامت بوضع هيكلية وخطط ممنهجة لسياستها الخارجية التي أعتمدت مسار التوسع عسكريا خارج حدودها فواصلت حروبها الخارجية وهذا مايتطلب منها قدرات تسليحية هائلة وقدرات تمويلية قادرة على إدامة زخم أعمالها العسكرية بالتوازي مع تغطية النفقات الداخلية وعدم تأثر مستوى معيشة المواطن الأميركي بسبب نفقات الحروب وبالتالي كان لابد لها من إنشاء وتنمية مصانع السلاح الداخلية لتأمين القدرة الذاتية للتسلح من جهة ولتأمين مورد مالي ضخم يرفد إقتصادها من خلال تصدير السلاح إلى العالم الآخر من جهة أخرى
فكانت الحربين العالميتين الأولى والثانية ومن بعدهما الحرب الباردة من أهم عوامل توسع شركات التصنيع العسكري الأميركية وتحقيقها للأرباح الهائلة التي مكنتها من الهيمنة على القرار السياسي للإدارات والأحزاب الأميركية المتعاقبة على الحكم في الولايات المتحدة الأميركية وبذلك أصبح القرار الأميركي السياسي في التعاطي مع القضايا والأزمات العالمية رهينة لوبي شركات السلاح وهذا ماحذر من تأثيره على قيم الديمقراطية الأميركية أدوايت إيزنهاور عام 1962 حيث وجه كلامه للشعب الأميركي قائلاً :
“إن مواقع القرار الأميركي يجب حمايتها من هذا التحالف العسكري ـ الصناعي الرأسمالي وإلا ستكون العواقب كارثية، لأننا بذلك نضع سلطة القرار في أيدٍ غير مسؤولة، لأنها غير مفوضة.
وبالتالي لا يصح أن تؤتمن عليه، وأود أن ألفت النظر إلى أنه إذا وقع القرار الأميركي رهينة لمثل هذا التحالف الصناعي ـ العسكري وأطرافه، فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا وممارساتنا الديمقراطية كما أنه قد يصل إلى حيث يملك حجب الحقائق عن المواطنين الأميركيين وبالتالي الخلط بين أمن الشعب الأميركي وحرياته من جهة وبين أهداف أطراف هذا التحالف ومصالحهم”.
وبالعودة إلى دور لوبي شركات السلاح في تغذية سياسة صنع خرائط جديدة في المناطق الأكثر حساسية من الناحية الجيوسياسية في العالم وحرصها على إبقاء بؤر توتر وصراع داخل هذه المناطق من شأنها تنمية وإدامة النزاعات المسلحة التي تؤمن تدفق مستمر لمبيعات السلاح في السوق العالمية فقد رأينا كيف كانت الولايات المتحدة هي المسارع الأول للإعتراف بإعلان الدولة اليهيودية في قلب الجسم العربي لما تؤمنه هذه الدولة (اليهودية) كجسم غريب داخل الكيان العربي من ديمومة لحالة التشرذم والإنقسام داخل الجسم العربي من حهة ومن الإبقاء على حالة صراع عربي إسرائيلي طويل الأمد من جهة أخرى وهذا مايتطلب المزيد من ضخ مبيعات الأسلحة في أسواق المنطقة كما أن الولايات المتحدة لم تكتفي بتأييد ودعم القرار البريطاني بإنشاء دولة يهودية داخل الجسم العربي لهذا الغرض بل دعمت أيضاً ماورد في إتفاقية سايكس بيكو من توزيع أراضي كردستان على الدول المحيطة بها لما يوفره هذا التوزيع من الإبقاء على بؤر نزاع من جهة ومايشكله من عامل مساعد لإنشاء خرائط ودول جديدة مستقبلاَ من جهة أخرى وكل ذلك فيه خدمة عظيمة لصناع السلاح
ومع ماحدث للعراق عام 2003 من غزو أميركي أفضى إلى إسقاط الدولة العراقية برمتها وليس فقط النظام بهدف خلق الظروف المناسبة لتهيئة النسيج العراقي لقبول فكرة التقسيم على أساس طائفي وعرقي وماتبعه من موقف أميركي من الثورة السورية خصوصاً والمجاورة للعراق وإطلاق يد عائلة الأسد لإرتكاب المجازر على أسس طائفية وبالتالي تهيئة القاعدة الإجتماعية السورية السنية لقبول التنظيمات التكفيرية ومبايعتها كسبيل أوحد لمواجهة المجازر الطائفية التي ترتكبها إيران وأذرعها في المنطقة العربية بحق المجتمع السني العربي ومع ماجرى من زج المملكة العربية السعودية في صراع طائفي جلي وواضح في اليمن مع ذلك كله نرى أن لوبي السلاح في الولايات المتحدة الأميركية أيقن أن حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران ربما تكون آخر الحروب في منطقة الشرق الأوسط والتي تؤمن لها مردود عالي في مبيعات الأسلحة وبالتالي يبدو أن هذا اللوبي قد طور الإستراتيجية بإتجاه البحث عن إمكانية صياغة الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط على أسس مختلفة عن ماكانت عليه خلال المئة سنة الماضية بحيث يتم إنشاء الدول الجديدة على أسس دينية مذهبية تحكمها إيديولوجيات مذهبية متطرفة تعتمد أسلوب القهر والتنكيل في المواطن سبيل لقيامها وديمومتها ( دولة الولي الفقيه لقيادة وحكم الشيعة ودولة داعش لقيادة وحكم السنة ) وذلك بالتوازي أيضاً مع إمكانية إنشاء دولة كردية على أساس قومي توفر تطوير النزاع المسلح القائم منذ نصف قرن بين الكرد وكل من جيرانهم العرب والترك وذلك بترك مناطق متنازع عليها إما بيد الكرد (مناطق سورية وعراقية ) إما مناطق كردية بيد الترك هذا فضلاً عن بث الروح في سكان كردستان إيران وإلحاقهم بحلبة صراع طويل الأمد وكل ذلك من أجل إستمرار نمو شركات التصنيع العسكري ليس فقط الأميركية بل والعالمية أيضاً وخصوصاً إذا علمنا أن مردود شركات السلاح في الولايات المتحدة وحدها يعادل الناتج القومي ل 182 دولة في العالم
السلطة الرابعة : حمد شهاب الطلاع الجبوري .. لندن
تنويه : مقالات الرأي تعبر عن رأي وفكر كاتب المقال , ولاتعبر بالضرورة عن رأي ” السلطة الرابعة “