
السلطة الرابعة : فواز تللو .. خطاب أسد رسائل للثورة والعلويين !
عندما نعيد قراءة كل خطب السفاح المعتوه باستبدال كلمات “الشعب السوري، السوريين” بكلمة “المؤيدين للنظام الطائفي، العلويين”، عندها يمكن قراءة الخطاب وبناء المواقف بشكل واضح بعيدا عن الأوهام والتحليلات السياسية الواهمة، ودعوتي لاستبدال الكلمات وإعادة القراءة ليست دعوة للطائفية بل اداة تساعد على التحليل السياسي السليم.
خطاب السفاح المعتوه لم يتغير منذ خطابه الأول بعد أسابيع من الثورة، بأن من يقوم بها ويؤيدها مجموعة من الإرهابيين دون الاعتراف بأي حقوق، لكنه هذه المرة كان أكثر وضوحا بوقاحة “كصفعة” فيما يتعلق بأمور مفصلية مستقبلية، فقد حمل خطابه إقرارا بالهزيمة العسكرية ونقص موارده البشرية، حمل استسلاما كاملا لسيده الإيراني، حمل طمأنة لمؤيديه بأن التقسيم سيكون حاضرا لينجوا بجرائمهم، حمل تأكيدا على خياره العسكري المدمر حتى النهاية، حمل تعريفا للحل السياسي بأنه يجري بينه وحلفائه مع المجتمع الدولي ولا وجود فيه لا لمعارضة ولا لثورة، وأن الحل السياسي يعني إشراكه في “الحرب على الإرهاب” مع إعادة تعريفه ليشمل معارضيه.
أما الأهم، فكان الرسالة الواضحة التي حملها خطابه لثلثي الشعب السوري المؤيدين للثورة الذين عانوا ودفعوا الثمن بأشكال مختلفة، رسالة تقول لهم أن لا مكان لكم في سوريا إن استمر النظام بأي شكل، رسالة تبين أن التركيز على أي خيار اليوم غير إسقاط النظام عسكريا واستئصاله من بنى الدولة (وهو ممكن جدا بعكس ما يروجون) إنما هو لغو وعبث يصل إلى حد الجريمة حتى لو لم يدرك ذلك بعض من يروجون للمبادرات متلطين بتيار لا وجود له سموه “التيار الثالث”، تيارٌ يعملون على بنائه بتثبيط الناس ليقبلوا التخلي عن الثورة تحت شعار التفاوض والحل السياسي المطروح اليوم بغض النظر عن المزايدات والخداع.
لقد وجه خطاب السفاح المعتوه أمس صفعة واضحة للدونكيشوتيين من أصحاب مبادرات التفاوض، أو للمعارضة التي تسابقت لتؤكد على رغبتها بالتفاوض، إرضاء للمجتمع الدولي على حساب الثورة عسى أن يُعترف بهم كمعارضين بجلوسهم على أي مائدة تفاوض.
موقف السفاح ليس بجديد على من يملك عقلا سياسيا، ويمكن قراءته على مدى سنوات الثورة، إلا من غاب عقله في شخصية نرجسية عصابية مريضة تخفي ملامح مستبد “جاهل”، أو كان من معارضة الطامحين راكبي الثورة الذين لا زالوا يمارسون التخريب والفشل وهم يعضون بأسنانهم بسعار على دفة الواجهة السياسية.
تكمن سفاهة بعضهم اليوم ممن كسروا محرم التفاوض مع السفاح سابقا، وحرموا العمل المسلح من الغطاء السياسي قائلين فقط بالحل السياسي مع ما أدخله هذا التخلي في العامين الأولين من فوضى، وبرروا فتح الأبواب للروس وتغزلوا بملالي إيران معتبريهم شركاء في الحل، السفاهة اليوم أن يستنتج هؤلاء ويكتشفون اليوم “بعبقرية” أن السفاح لا يريد حلا سياسيا وأنه باع سوريا لملالي إيران، طبعا “اكتشافهم” المتأخر اليوم هو كرمى لعيون مموليهم لا إحساسا منهم بأن إيران عدو أصيل للثورة.
لقد وجه السفاح المعتوه صفعة يستحقها كل هؤلاء، عسى أن ترفع الصفعة الغشاوة أيضا عن من لا زال يحمل أملا بهؤلاء المعارضين، لأن من يستمر في “أوهامه” حولهم يستحق أن يسحقه ويذله بل ويهزمه السفاح لأنه لا يستحق نصر الله.
زوال الغشاوة يشمل أي مؤيد للثورة ويشمل القادة العسكريين ليدركوا هذه الحقائق ويتصرفوا وفقه مع هؤلاء المعارضين سواء من فتح منهم باب التفاوض “الخطيئة” أو الذين ذهبوا إلى جنيف “الخيانة”، وهم اليوم يتراكضون لإرضاء دي ميستورا طالبين بركته (وما أقذر هكذا بركة وما أوضع من يطلبها)، أما من لا يدرك هذه الحقائق ويتصرف مع هؤلاء المعارضين على أساسها فليس بأكثر من مؤيد “درويش” للثورة أو قائد ميليشيا مرتزق طامح مثلهم حتى ولو تسربل بألف عباءة إسلامية.
الكلام قاس لكنه ضروري ليقرع الرؤوس، فعلى السوريين معرفة أن أحد الأسباب الرئيسية لطول معاناتهم وتأخر النصر هو ضياع البوصلة وغياب الرؤية والكلام السخيف من قبيل “ليس وقتها” لتجنب إسقاط المعارضة واستمرار “اللقلقة” لهم متوهمين أن ذلك هو جوهر العمل السياسي الثوري، أو الانصياع لمن يطلقون مبادرات التفاوض أو يبرروها مستغلين بخساسة معاناة السوريين لبيعهم أوهام الخلاص “ووقف دمار سوريا” دون عرض رؤية واضحة حول كيف يتم ذلك، مختصرين الأمر بطلب تفويض مفتوح للتفاوض مع السفاح كما طلبوه سابقا لتمثيل الثورة، مثبطين الناس عن الاستمرار في الثورة، بينما يطرحون خلف الأبواب المغلقة رؤيتهم التي لا يجرؤون على التصريح بها أمام جمهور الثورة، فيتسابقون في محافل المؤتمرات بالتنازلات إرضاء للمجتمع الدولي لينتقيهم “معارضين معتمدين”.
الثورة بحاجة اليوم لأن تنفض عن كاهلها كل الراكبين عليها لا أستثني منهم في الواجهة تشكيلا معارضا ولا شخصية تعمل “لحسابها”، الثورة بحاجة لقادة يقدمون رؤية واضحة متكاملة قابلة للتحقيق سواء في تعريف الحل السياسي أو الحسم العسكري وشروطهما، رؤية يعلنون عنها بخطوطها الرئيسية على الأقل دون تقية، قادة يفهمون العلاقة مع الحلفاء (السعودية وتركيا وقطر) على أنها علاقة حلفاء لا تبعية، علاقة يكفيها الكثير من المشتركات والمصالح الاستراتيجية الموجودة دون حاجة للاستتباع والاستزلام، قادة لا يعملون من أجل مشاريع حزبية أو شخصية، قادة يعملون معا كسياسيين وعسكريين وشخصيات ثورية مؤثرة حقيقة ليشكلوا معا قيادة للثورة، لا نكرات قفزوا للواجهة في لحظة غفلة، قادة يبثون روح النصر والعزيمة لا التخذيل والتثبيط من أجل تمرير دورهم أو هدفهم التفاوضي.
نهاية، خطاب السفاح كان يعني أيضا أن الثورة بحاجة لبوصلة ورؤية غائبة وقادة حقيقيين موجودون اليوم لكن متفرقين وبدون رؤية، كما أن الثورة بحاجة لصحوة جمهورها من غفلته ليحاسب المخطئين والمسيئين حتى تتهيأ أسباب النصر.
السلطة الرابعة : برلين : فواز تللو – سياسي سوري معارض