السلطة الرابعة : فواز تللو .. الأهداف الخفية للتدخل الروسي في سوريا !

السلطة الرابعة : فواز تللو .. الأهداف الخفية للتدخل الروسي في سوريا !

الأهداف الخفية للتدخل الروسي في سوريا منذ اليوم الأول للإعلان عن التدخل الروسي المباشر في سوريا والجميع يردد أن الهدف حماية النظام الأسدي الطائفي من السقوط، وأحيط الأمر بسلسلة مواقف تتراوح بين “المفاجأة والقلق” لتعبر عن تمويه لمواقف البعض وعجزٍ لآخرين، لكن أسباب وأهداف هذا التدخل وظروفه تكمن في مكانٍ مغايرٍ تماما وفق قراءة لمجمل الوضع السوري بشقيه العسكري والسياسي، الميداني والإقليمي والدولي، وبمنظار زمني يحيط بسنوات الثورة وصولاً للمستقبل المفتوح على احتمالات عديدة.

لابد من الإشارة أولاً اًن المنطقة كانت منطقة نفوذٍ أمريكي منذ تسلمتها من المستعمرين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن العلاقات الظاهرية مع الاتحاد السوفيتي التي سمحت بها الإدارات الأمريكية للأنظمة القومية والاشتراكية وبما لا يؤثر استراتيجياً على نفوذها، لذلك لا بد من الإقرار بأن التدخل الروسي المباشر كالتدخل الإيراني الذي سبقه، لم يكن ليحصل بدون موافقة أوباما الشخصية، وهو اليوم يبحر ضد تيار السياسة الأمريكية المعتاد في سوريا أولاً عبر تلزيمها لملالي إيران في أي تسوية مقبلة كجزء من استراتيجيته لإنشاء تحالف مع ملالي إيران على حساب حلفاء أمريكا التقليديين من الصعب التراجع عنه بعد رحيله والاتفاق النووي ليس ببعيد، لذلك لم يكن التدخل الروسي “المباشر” ليحصل دون موافقة ضمنية على الأقل من أوباما استكمالاً لمهمة تلزيم سوريا لإيران وليس لروسيا التي ستكتفي في المنطقة (ومنها سوريا) ببعض المكاسب الاقتصادية التي يسمح بها أوباما مثل حصة من غاز سوريا، طبعاً بوتين سيستخدم الورقة السورية كما أرادها منذ البداية للضغط على الأوروبيين في ملفات أخرى لكنها تبقى أقل كلفة لأوباما ومشاريعه عنها في سوريا.

لكن هل يريد أوباما من الروس التدخل لإنقاذ النظام وهو يعلم أن الفرصة ضعيفة بعد الفشل الإيراني في ذلك حتى الآن؟ طبعاً لا، فأوباما شجع ووافق على التدخل الروسي (وهو ما ستظهره الأيام بالأدلة) لسببين أساسيين غير معلنين حتى اللحظة، أولهما قطع الطريق على التحالف التركي السعودي الذي كان يسعى لإقامة مناطق آمنة على جزء من الشمال السوري، الهدف المعلن منها طرد داعش لصالح الثوار وهو ما لا يوافق عليه أوباما الذي يرغب بتسليم المنطقة لحفائه الكرد إضعافاً للثورة وتركيا العدالة والتنمية ولوضع حاجز جغرافي بينهما، كما يرفض أوباما توسيعاً تدريجياً مؤكداً للمنطقة الآمنة وصداماً جوياً لا بد منه لا قبل للنظام السوري به، وهكذا ماطل أوباما تركيا لسنوات (وليس أشهر) لمنع قيام هذه المنطقة الآمنة للمدنيين، وعندما انفجرت مشكلة اللاجئين أخيراً بوجه الأوروبيين والتي لن يحلها إلا قيام المنطقة الآمنة، واستباقاً للأمر، أعطى أوباما موافقة ضمنية على التدخل الروسي “ضد داعش” نظرياً، وهكذا بات فرض مثل هذه المنطقة من قبل تركيا والسعودية معقداً بعد أن بات الخصم في الجو ليس النظام السوري بل الطيران الروسي الذي استثمر الفرصة ليوسع عملياته أيضاً برضى أمريكي بغض النظر عن التصريحات، ليكون السبب الأول للتدخل الروسي هو قطع الطرق على فرض تركيا والسعودية لمناطق آمنة أو تقديم أي دعم جوي مباشر للثوار.

أما السبب الثاني والأهم والرئيسي للتدخل الروسي فمرتبط بمستقبل سوريا، فأوباما كما بوتين وخامنئي يدركون أن النظام الطائفي الأسدي شارف على الانهيار وبات من المستحيل أن ينهي الثورة كما نصت الخطة ( أ )،

مع أنه حظي بكل الفرص والسلاح والتغطية السياسية من قبل الروس والإيرانيين، كما حظي بكل الدعم غير المباشر من قبل أوباما الذي عمل بلا كلل على حصار أي تسليح للثوار مع إعطاء الضوء الأخضر للتدخل الإيراني والدعم الروسي، وهكذا كان لابد من الانتقال للخطة ( ب )

والمتمثلة بتقسيم سوريا تحت مسميات الحكم اللامركزي والفيدرالية بما يضمن إضعاف الأكثرية السنية وحصرها بكانتونات تفتقد كل المقومات الاقتصادية والجغرافية، مع توزيع هذه المقومات على الكانتون

(أو الإقليم) العلوي – المسيحي، والكردي والدرزي، وبقاء دمشق بيد النظام لتثبيت ورقة قوة إضافية بيده مع إطلاق يد الإيرانيين ومشروعهم المذهبي في دمشق. تقسيم سوريا “غير المعلن” لم يعد نظرية مؤامرة، بل واقعاً يعمل عليه عملياً دي ميستورا سياسياً عبر خطته وكل ما سمعناه يدل على ذلك من تصريحات تتحدث عن لا مركزية الحكم وطبيعة وأطراف التفاوض السورية والإقليمية في المفاوضات التي يزمع إجرائها، لكن هذه الخطة تصطدم بقوى عسكرية على الأرض لا تخضع لما يخطط له بوتين وخامنئي وأوباما وأتباعهم الأوروبيون مع النظام السوري، كما أن النظام السوري وحليفه الإيراني لم يعودا قادرين على حماية النظام من السقوط وهو ما لن تستطيعه بضع عشرات بل ومئات من الطائرات الروسية،

لذلك كان لابد من متمم عسكري لخطة التقسيم، تمثل بالتدخل الروسي الجوي والإيراني المباشر بإرسال آلاف من الحرس الثوري، هدفهم عملياً رسم حدود التقسيم المزمعة وتأمين مقوماته العسكرية والديموغرافية، تدخل بات أداة الحل السياسي التقسيمي المزمع لدي ميستورا، لذلك فمن المنطقي أن يحظى بتشجيع أمريكي ضمني وتفاهمات غير معلنة مع الروس الناطقين باسم الإيراني والأسدي.

إذا فالتدخل الروسي الجوي والإيراني المباشر لا يأتي حماية لنظامٍ انتهى عملياً، بل لقطع الطريق على أي مبادرة فعالة “عسكرية” سعودية تركية قطرية في سوريا، ولتثبيت واقع تقسيمي “مموه” لسوريا يحظى بدعم أمريكي أوروبي، وهكذا ومع الحلم الواهم بسحق الثورة السورية ومن خلفها الأكثرية السنية، سيساعد أيضاً على إضعاف مشروع تركيا العدالة والتنمية المهدد بالانهيار، ويستكمل حصار إيران للسعودية ومن خلفها الخليج لكي لا تهنأ بانتصارها في اليمن، كما يهدف لتظهير التحالف الروسي الإيراني الأمريكي الجديد في المنطقة قبل رحيل أوباما عن سدة الرئاسة، وهو حلف تعتبر سوريا ساحته الرئيسية للانتصار والهزيمة.

التفاوض يجري اليوم في ساحة المعارك، وعلى الحلفاء “السعودية وتركيا وقطر” إدراك أن ترددهم وتأخرهم وخضوعهم للضغط الأمريكي بعدم تسليح الثورة والكلام عن تنحي رأس النظام فقط والحفاظ على مؤسساته وترديد الأغنية المشروخة لأوباما بأنه لا يوجد في سوريا إلا حل سياسي وغيرها من أفكار واهمة، كل ذلك أعطى الفرصة للنظام وأسياده للوصول إلى ما وصلنا له، وسيدفع الأمور في سوريا والمنطقة إلى الانفجار الكامل،

وسينهي مشروع العدالة والتنمية التركي الذي سيواجه غالباً انقلاباً عسكريا ليس ببعيد، وسيضعف النظام في السعودية ويحوله إلى تابع هامشي يتحكم به الأمريكي والإيراني كما يتحكم ببقايا العرب، بالمقابل، سينتشر العداء للغرب وللروسي والإيراني وللأقليات في المنطقة وسوريا بشكل كبير جداً وستضيع الخطوط ما بين التطرف والاعتدال وستحترق المنطقة والأنظمة، لكن في النهاية لن يؤدي إلا إلى ولادة جديدة لسوريا والمنطقة لكن بزمن أكبر وبأصعب الطرق وأكثرها كلفة لها وللمنطقة، أما فكرة التقسيم في سوريا لحماية الأقليات فستنتهي وضحيتها وجود الأقليات بحد ذاتها.

الثورة السورية بحاجة لقيادة من القوى الحقيقية العسكرية وشرفاء السياسة يجتمعون على رؤيا واضحة حاسمة فهل يعمل الحلفاء على مساعدتها للظهور بعد أن يرموا خلفهم بكل مرتزقة المعارضة الذين تصدروا الكارثة؟

وهل يستجيب الثوار ويتوحدوا ويضعوا خلفهم التنافس والمشاريع الواهمة؟ كذلك النصر بحاجة لمقاربات سياسية وعسكرية هجومية لحلفاء الثورة السورية تبدأ بتزويد الثوار السوريين بمضاد الطيران والدروع والذخيرة رغم أنف أوباما ولا تنتهي بإرسال طائراتهم لسحق كل من داعش والنظام وحلفائه لتحقيق نصر عسكري حاسم بعد أن بات التفاوض يتم فقط في ساحات المعارك العسكرية،

فهل يفعلون ويرموا خلفهم دي ميستورا وحله السياسي ومن يقف خلفه؟ باختصار، الأمة والثورة تنتظر قادتها فعلاً لا قولاً فالمرحلة لم تعد تحتمل.

السلطة الرابعة : برلين : فواز تللو – كاتب وسياسي سوري

شارك