
السلطة الرابعة : مسعود عكو : الإعلام الثوري السوري… سقطات خطيرة !
لا بد من القول أن من إيجابيات الثورة السورية إطلاق العشرات بل ربما المئات من النوافذ الإعلامية التي وقفت إلى جانب الثورة. وشكلت طفرة إعلامية سورية، كانت محصورة قبل الثورة بإعلام النظام وبعض توابعه. وفي الخارج مواقع معينة للمعارضة السورية توقف العديد منها لأسباب مادية أو فنية. بيد أن الثورة الإعلامية التي رافقت الثورة السورية، خلقت أيضاً نماذج ومستويات مختلفة، فمنها المهني العالي والحرفي، ومنها المتوسط، ومنها من أصبحت لا تنشر سوى السخافة والتفاهة ومواضيع لا تزيد إلا عمق الشرخ بين أبناء الشعب السوري بمختلف مشاربه.
ناشرةً مواداً لا يمكن التحقق أبداً من صحتها، ولا من شخصية كاتبها أو مؤلفها. وباتت تشكل عبارة “مصدر خاص أو مصدر مسؤول” المحور الرئيس في مواضيع تلك المواقع. بلا شك يحق للصحفي إخفاء مصادر معلوماته، ومن حقه الحفاظ على تلك المصادر بحيث لا يشكل نشر أسمائها أي ضرر للصحفي أو المصدر.
ولكن أن تقدم مواقع إلكترونية أو قنوات تلفزيونية تقارير معتمدة على قصة أو تصريح لشخص مجهول وأسماء مجهولة وهمية مستعارة، فلا توجد أية مهنية في هذا الأمر. بل تعكس هذه الأمور تماماً مدى ضحالة المهنية والمصداقية لدى كاتب المقال أو التقرير، مما يضفي طابعاً غير مهني، وعدم مصداقية حتى على المنبر الإعلامي ككل، وليس فقط على كاتب المقال أو التقرير.
المعمعة السورية الإعلامية تصدر ضجيجاً مزعجاً في المشهد الإعلامي العربي ككل، ولا يمكن أبداً تسمية الكثير من تلك المواقع الإلكترونية أو المنابر بأنها مؤسسات إعلامية ذات مصداقية أو حرفية أو مهنية. فالمصدر الرئيس مجهول، وكاتب المادة مجهول، والقصة المنسوجة داخل المادة من وحي خيال كاتبها.
الأمر الذي دفع بأن يكون الإعلام الثوري إعلاماً ساذجاً سطحياً لا يراعى فيه أبسط قواعد المهنية، ناهيك عن مخالفته لأبسط مواثيق الشرف الصحفي. بالطبع للقاعدة شواذ واستثناءات، حيث قدمت بعض من تلك المنابر الإعلامية نموذج إعلامي سوري جديد، يمكن اعتباره من نتائج الثورة الإعلامية المتزامنة مع الثورة السورية.
مواقع قدمت مواداً صحفية وإبداعية بمنتهى المهنية، وسلطت الضوء على مواضيع حساسة وهامة للشأن السوري ربما كانت من التابو الإعلامي والديني والسياسي يوماً ما. إن محاولة الإعلاميين السوريين بعد الثورة، إنشاء منابر ومؤسسات إعلامية لهو واجب. وعليهم العمل على ذلك وتنمية هذه المشاريع وتطويرها، ومراقبة وتقييم أدائها بشكل دوري. والبعد تماماً عن نشر المواد التي يظنون أنها تجلب القراء أكثر، وهي في ذات الوقت تخسرهم الكثير من القراء من الطرف الأخر.
ما يفعله الإعلام في زمن الحروب والثورات لا يقل أهمية من البندقية والمدفعية، ولعل التزامن والتناغم بينهما من شأنه التأثير أكثر على الجمهور المستهدف بالمواد الإعلامية والصحفية. فنسى تماماً الإعلام الثوري استهداف الجمهور الذي يقف بالضد من الثورة، أو على الأقل في المساحة الرمادية من المشهد الثوري.
حيث ركز فقط على ما تراه المؤسسة الإعلامية من جمهور لها، ناسية في الوقت ذاته أن الإعلام هي رسالة للجميع دون استثناء. فربما مقالة رأي أو خبر تجعل من المؤيد معارضاً، أو المعارض مؤيداً، أو الرمادي تدفعه بأن يختار لنفسه صفاً، ما كان ينوي إليه قبل قراءته لتلكم المقالة أو الخبر. أي أن من واجب المؤسسة الإعلامية التوجه لكل القراء لا إلى فئة واحدة فقط. مما يبعدها عن الحيادية تماماً.
السلطة الرابعة : مسعود عكو: كاتب وصحفي كردي سوري … النرويج