السلطة الرابعة : د . وسام العكلة : المفاوضات النووية في لـوزان .. بانتظار خروج الدخان الأبيض ؟

السلطة الرابعة : د . وسام العكلة : المفاوضات النووية في لـوزان .. بانتظار خروج الدخان الأبيض ؟

باتت تفصلنا ساعات معدودة عن الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق شامل حول البرنامج النووي الإيراني في الحادي والثلاثين من آذار/مارس الجاري، وهو الموعد الذي تم تخصيصه لإنهاء المباحثات حول الجوانب السياسية التي من المفترض تنتهي باتفاق يضمن عدم امتلاك ايران للقنبلة الذرية مطلقاً مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، ورغم ذلك لا تزال المفاوضات المارثوانية جارية بين الأطراف المتفاوضة لتجاوز القضايا العالقة التي تقف عقبة أما الاتفاق المرتقب وربما لن يكون من السهل تجاوزها خلال هذه الساعات القليلة المتبقية، لذلك جميع الأنظار اليوم متجهة إلى فندق ” بو ريفاج ” في لوزان الذي يستضيف المباحثات النووية بانتظار خروج الدخان الأبيض كدليل على التوصل إلى اتفاق بين الأطراف ينهي مرحلة استمرت منذ أواخر عام 2002 اتسمت بالشد والجذب بين إيران والغرب .

معركة ” لي الأذرع ” في الشرق الأوسط: لكن الأمر ليس بهذه السهولة فالأطراف المتفاوضة وهي ( الدول الخمسة دائمة العضوية + ألمانيا من جهة وإيران من جهة ثانية ) وإن استطاعت خلال الأشهر الأربعة أشهر الماضية بعد العشرات من الجولات التفاوضية إحداث اختراقات وتفاهمات مهمة لكنها لا ترقى إلى ما يطمح إليه الطرفين. لذلك يحاول كل طرف خاصة الأمريكي والإيراني الضغط على الطرف الآخر بلي ذراعه هنا أو هناك وهو ما شهدناه خلال الفترة الأخيرة من دفع الإيرانيون الحوثيين إلى التصعيد في اليمن ومحاولة السيطرة على عدن وخلع الرئيس الشرعي ” هادي منصور” بالقوة للحصول على تنازلات معينة من الجانب الأمريكي الأمر الذي قابله الأمريكيين بوقف الضربات ورفع الغطاء الجوي عن القوات العراقية التي تدعمها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في الحملة التي تشنها لاستعادة تكريت من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن وضعت واشنطن شرطاً لاستئناف الضربات الجوية للتحالف ضد تنظيم الدولة وهو انسحاب الميليشيات الشيعية من المعركة الأمر الذي شكل ضربة لإيران وحلفائها في العراق. إضافة إلى الصفعة الأقسى التي وجهها المفاوض الأمريكي لنظيره الإيراني من خلال التأييد والدعم الذي قدمه الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما ” للحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية وحلفائها ضد مواقع الحوثيين في اليمن تحت اسم “عاصفة الحزم “.

ناهيك عن التطورات الجارية في سوريا خاصة التقدم الذي حققه الثوار في إدلب والجبهة الجنوبية وتحرير مدينة بصرى الشام الاستراتيجية وهي الجبهة التي زجت فيها إيران بقواتها والميليشيات التابعة لها لتغيير موازين القوى لصالح النظام على الحدود مع إسرائيل. هوس ديمقراطي أوبامي للاتفاق مع إيران: على الجانب الآخر تدرك إدارة الرئيس الأمريكي ” باراك أوباما ” الأهمية الاستراتيجية للتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي وهو ما تعمل عليه بقوة لأن هذا الاتفاق سيشكل نصراً للحزب الديمقراطي وتعويضاً عن هزيمته أمام الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة، إضافة إلى الهوس غير الطبيعي الذي ينتاب الرئيس ” أوباما ” شخصياً للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق مهما كلف الثمن باعتباره سيشكل تاجاً على ولايته الثانية وسيقول للشعب الأمريكي حتى بعد خروجه من البيت الأبيض أنا حققت ما عجز غيري عن تحقيقه، وهو وضع حد لبرنامج السلاح الكيميائي للنظام السوري إلى الأبد، وتسوية برنامج إيران النووي الذي يثير مخاوف الكثير من حلفاء الأمريكيين دون أن أهدر قطرة دم جندي أمريكي واحد في معارك طائشة كما فعل أسلافه من جورج بوش الأب إلى بوش الأبن. أهم القضايا العالقة: بالعودة إلى ما يجري في كواليس المفاوضات في لوزان فإن الأمر لا يزال مبهماً ويحيط به الكثير من الغموض، وتحظى الجلسات الأخيرة بتكتم شديد لمنع تسريب أي معلومات قد تفسد ما تم التوصل إليه.

لكن لا تزال هناك عقبات سياسية وتقنية تحول دون إبرام هذا الاتفاق أهمها المدة الزمنية المقترحة لتجميد البرنامج النووي الإيراني حيث تصر إيران على فترة زمنية لا تتجاوز عشر سنوات في حين يصر الأمريكيون على أن تكون هذه المدة خمسة عشرة سنة، أما الفرنسيون فقد هددوا بإجهاض أي اتفاق على هذا النحو لا يستمر لمدة عشرين سنة قبل أن يعودوا ويغيروا موقفهم لينسجم مع الموقف الأمريكي، إلى جانب تهديد عدد من أعضاء الكزنغرس الأمريكي في رسالة وجهوها إلى إيران بفسخ أي اتفاق مع إيران بعد مغادرة الرئيس ” أوباما ” البيت الأبيض بداية عام 2017، وهذا الموقف يتماهى مع الموقف الإسرائيلي الرافض للاتفاق، وهو ما يعكس حجم التحديات السياسية الداخلية والدولية التي تعترض توقيع أي صفقة مع إيران لا تتضمن تفكيك برنامجها النووي وتقتصر فقط على تجميد بعض نشاطاتها النووية كتلك المتعلقة بتخصيب اليورانيوم .

نقطة الخلاف الجوهرية الأخرى تتعلق بالآلية التي سيتم بها رفع العقوبات الأممية والأمريكية والأوروبية عن إيران، ففي الوقت الذي تطالب فيه طهران برفع عقوبات مجلس الأمن أولاً وبشكل فوري، أبدى بقية المفاوضون موافقتهم على رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية أولاً للتأكد من حقيقة النوايا الإيرانية وبشكل تدريجي يتماشى مع تنفيذ إيران للاتفاق الموقع. وهدف إيران من وراء ذلك هو رفع الغطاء القانوني والشرعية الدولية عن العقوبات الأمريكية والأوروبية في حال نجحت بإصدار قرار من مجلس الأمن يقضي برفع العقوبات الأممية المفروضة عليها منذ عام 2006 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1737/2006 وما تبعه من قرارات ذات صلة .

إلى جانب ما سبق لا تزال هناك قضايا تقنية عالقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث أبدت الأخيرة قلقها من احتمال وجود أبعاد عسكرية لبرنامج إيران النووي خاصةً فيما يتعلق بمصير مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى درجة 20%، وتفتيش وغلق المنشآت النووية التي يحتمل أن تتضمن جوانب عسكرية مثل موقع ” بارشين ” النووي ومفاعل ” آراك ” للمياه الثقيلة . والأهم من كل ذلك امتلاك الوكالة الدولية مؤشرات واضحة تدل على أنَّ إيران قامت بالعديد من الأنشطة والتجارب من أجل تطوير سلاح نووي ووضع تصميم لقنبلة نووية, وإجراء حسابات لنقل النيوترونات وأبحاث تضمنت نماذج محاكاة بالكومبيوتر لا يمكن أن تستخدم إلا لتطوير صاعق لقنبلة نووية.

أخيراً، نعتقد أن الأيام القليلة التي تفصلنا عن الموعد النهائي لن تتكلل بالتوقيع على أي اتفاق وقد يتم التمديد من جديد لعدة أيام أو شهر إضافي، خاصة وأنه حتى الآن لا توجد مسودة مطروحة للنقاش في المباحثات الجارية في سويسرا ، وهو ما يعكس صعوبة التوصل إلى تفاهم شامل رغم تطابق وجهات النظر حول الكثير من القضايا السياسية والفنية، ولا شك أنَّ التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط هي بالنهاية من سيحكم على الاتفاق المنتظر بالعيش أو تطلق عليه رصاصة الرحمة قبل ولادته.

السلطة الرابعة :اسطنبول :  د. وسام الدين العكلة , باحث متخصص بالشؤون الإيرانية.

 تنويه : مقالات الرأي تعبر عن رأي وفكر كاتب المقال , ولاتعبر بالضرورة عن رأي ” السلطة الرابعة “

شارك