
السلطة الرابعة : مرح البقاعي … فصل مذهبي بالقفّاز الأبيض !!!
هل الصدام الشفاهي بين طهران وتل أبيب مجرّد فقاعات كلامية؟ وهل الشعارات التي تطلقها إيران عن تبنّيها ودعمها وإدارتها المباشرة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي المناوئتين لإسرائيل ليست سوى أوهاماً انطلت على العرب والمسلمين؟ وهل الجمهورية الإسلامية الإيرانية حقيقةً من حماة الفلسطينيين وقضيتهم في العالم، ووحدها القادرة من خلال دعمها لحركات المقاومة على استرجاع حقوقهم وتحرير القدس من المحتل الإسرائيلي؟ وأين تقع نقطة الافتراق بين إسرائيل وإيران حين تبرم الأخيرة اتفاقها التاريخي مع دول الـ5+1، الذي سيشكّل حين التوقيع عليه خطوة واثقة على طريق تسوية الملف النووي الإيراني والقبول به، بل الاعتراف بشرعيته دولياً؟ وكيف استقبلت إيران من طرف،والولايات المتحدة من طرف آخر، خطاب نتنياهو التحريضي والاستفزازي للدولتين معاً:
الأولى من بعد، والثانية في عقر دارها وتحت قبة مجلسها التشريعي ـ الكونغرس الأميركي العتيد؟ إنه من نافلة القول إن اتفاق جنيف النووي وقع في عهد رئيس إيراني معتدل هو الرئيس حسن روحاني الذي كان وصوله إلى الحكم موضع ترحيب دولي واسع إثر سلفه المتشدد أحمدي نجاد الذي كان قد دعا «إلى إزالة دولة إسرائيل من الخريطة» ووصف المحرقة اليهودية بـ»الأسطورة» وإسرائيل بـ «الورم السرطاني». ومن نافلته أيضاً أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي وجد نفسه معزولاً تماماً نتيجة الانفتاح السياسي لإيران على العالم، استمر في التهديد والوعيد والتشكيك باتفاق جنيف جملة وتفصيلاً، مصرحّاً في غير مناسبة بأن «الاتفاق لا يُلزم إسرائيل»، وأنه «لن يسمح لإيران بتطوير قدرة نووية عسكرية»، وهو قد نجح مؤخّراً في الانتخابات وسيتسمر في حكم اسرائيل لسنوات قادمة.
هذا كله يجري في حين أن التبادل التجاري السرّي لاسرائيل مع إيران لم ينقطع البتة حتى انكشف أمره في عام 2011 حين قامت شركة عوفر الإسرائيلية باختراق الحظر الدولي وبرنامج العقوبات على إيران، وقامت ببيع الأخيرة ناقلة للنفط، الأمر الذي حدا بواشنطن إلى إدراج شركة النقل البحري الإسرائيلية صاحبة الصفقة على لائحتها السوداء فيما دعي بفضيحة عوفر غيت. واجه الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، المد الصدّامي السنّي بحرب على العراق كلّفت الخزينة والوجدان الأميركي الشعبي الغالي من الخسائر. وقبل أن يغادر الجيش الأميركي العراق في ليل، سلّمت الولايات المتحدة مقاليد الحكم في بغداد لحكومة شيعية جيّرت البلد وجواره، بامتياز الهوى والهوية، إلى الحساب الإيراني المفتوح على الأمكنة. أما الرئيس الحالي للولايات المتحدة، باراك أوباما، فيواصل المواجهات مع قوى التطرّف الديني «السنّية» من تنظيم «القاعدة» وأخواته، وأخيرها وليس آخرها الدولة الإسلامية في العراق والشام.
إلا أن معركته لم تأتِ على الطريقة البوشية الاستباقية والمباشرة، بل تجلّت، بما يناسب هيبة الحائز على جائزة نوبل للسلام، بتشريع القتل بالقفّاز الأبيض من طريق وسيط مضمون ومجرّب في مهمّات كهذه ألا وهو إيران. وهكذا يمكن لأوباما أن يدخل كتاب التاريخ مُسَلِّماً بطغيان السلطة الدينية لملالي طهران وبهيمنة نزوعهم المذهبي على حساب مدنية الدولة في الشرق الأوسط «الجديد». وفي رسالة وجّهها بن غوريون إلى أول وزير خارجية إسرائيلي، موشيه شاريت، في عام 1954 قال: «ليس لنا أن نفصل الدين عن الدولة، فهنالك وحدة مصير بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي». وهو القول الذي كرّسه آرييل شارون في خطابه بمدينة العقبة في 4 حزيران (يونيو) 2003 والذي طالب فيه بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ما حدا بالرئيس جورج بوش أن يشدّد على صيغتها الدينية في خطاب ألقاه في البيت الأبيض في 24 حزيران 2003 .
أما أوباما، وعلى رغم علاقته المتوتّرة باستمرار مع القادة الاسرائيليين، فقد أورد مصطلح الدولة اليهودية في مناسبتين رسميتين: الأولى في خطابه الانتخابي أمام أعضاء منظمة «أيباك» العام 2008 قبيل انتخابه رئيساً لفترته الرئاسية الأولى، والثانية في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2011. هذا كلّه بينما كتلة اليمين في الائتلاف الإسرائيلي سعت بقوة الى تمرير قانون داخل البرلمان سيحوّل صبغة الدولة الإسرائيلية إلى دينيّة صرفة من خلال مشروع رفعته كتلة اليمين المشكّلة من «الليكود»، و «إسرائيل بيتنا»، و «البيت اليهودي» في حزيران 2013، ويحمل نصاً معدّلاً يعتبر إسرائيل «دولة يهودية ذات نظام ديموقراطي» بدلاً من النص الذي يصف إسرائيل بأنها «دولة يهودية وديموقراطية». هكذا تتلمّس الولايات المتحدة مخرجاً من عثراتها السياسية منسحبةً ببطء من المنطقة الأوسطية المشتعلة بنيران الفوضى «الخنّاقة» الجانحة إلى حافات التطرّف والعنف الظلاميين، عاهدةً إدارة الشؤون الإقليمية في الشرق الجديد ما بعد ثوراته العسيرة إلى إيران واسرائيل ـ الشرق المنفجرعلى نفسه الذي أمسى عبئاً سياسياً وأمنياً على أميركا ينوء «قرنها الوحيد» بحمله.
السلطة الرابعة : واشنطن : مرح البقاعي كاتبة سورية … صحيفية الحياة
تنويه : مقالات الرأي تعبر عن رأي وفكر كاتب المقال , ولاتعبر بالضرورة عن رأي ” السلطة الرابعة “