السلطة الرابعة : إياد شربجي ..  من أُحُد إلى نصيب… ثقافة الغنائم القاتلة..!!

السلطة الرابعة : إياد شربجي .. من أُحُد إلى نصيب… ثقافة الغنائم القاتلة..!!

في الأول من نيسان الجاري 2015 سقط معبر نصيب بأيدي عدة كتائب إسلامية أبرزها النصرة و مجموعة من الكتائب الضعيفة التي تعمل تحت جناحها، وبضعة كتائب أخرى أقل تشدداً، ولم تكد فرحة التحرير تمضي حتى داهمتنا بعد ساعات صور وفيديوهات مخجلة للنهب الذي تعرّض له المعبر -بما يحتويه من موجودات و معدات وبضائع ووثائق- على أيدي مجموعة كبيرة من المواطنين والكتائب، في مشهد أعاد للذاكرة ما فعله العراقيون يوم سقوط بغداد في التاسع من نيسان عام 2003 والذي استنكرناه على العراقيين بشدة يومها، وكما حدث النهب في بغداد أمام أعين الجيش الأمريكي، حصلت أعمال نهب معبر نصيب امام أعين الكتائب التي (حررته)، ولولا أن الأخيرة هي من باشرت بجمع (ما تسميها الغنائم) أمام أعين الناس، وغضت الطرف عن الآخرين، لما تجرأ أحد على فعل ما فعل.

لن نلوم أهالي درعا، مفجري الثورة، أهل الخير والعطاء، فمنهم حمزة الخطيب الذي خرج مع مئات من أهالي قريته الجيزة والقرى المجاورة مشياً على الأقدام في 29 نيسان 2011 وهم يحملون أكياساً الطعام والمؤنة في طريقهم لفك الحصار عن درعا البلد. أهالي درعا الذين أرسلوا الغذاء والمؤونة للمعضمية وداريا المحاصرتين عبر الأنفاق. أهالي درعا الذين عرض شبابهم حياتهم للخطر لأجل أن يهرّبوا ناشطاً أو عائلة للأردن، أو يأتوا لآخرين في كل المحافظات السورية بالكاميرات وأجهزة الاتصال الفضائي و..و..و

من قام بالنهب من المدنيين ليسوا لصوصاً، السوريون ليسوا لصوصاً كما قال البعض من أبناء جلدتنا للأسف، ورغم ان الفعل مدان بكل تأكيد ولا يمكن الدفاع عنه أو تبريره، لكن حري بنا بدل أن نخجل بمن فعل ذلك أن نخجل بأنفسنا كيف تركنا أهل الكرم والثورة يصلون إلى هذه المرحلة من العوز وفقدان شعور بالانتماء والمسؤولية.

ماذا تتوقعون من أناس مدنيين عاشوا أربع سنوات عجاف خسروا فيها أبناءهم و أرزاقهم ومؤونتهم و تُركوا محاصرين وحيدين يأكلون أوراق الأشجار، فيما الكتائب المسلحة تحكم رقابهم وتطبق شريعتها عليهم وتبتزهم من جهة، والمعارضة السياسية تجلس على موائد اسطنبول والدوحة والقاهرة من جهة أخرى، وعالم صامت كاذب لا يأبه بهم من جهة ثالثة. ماذا تتوقعون ممن يرى هذا المشهد أمام عينيه طيلة اربعة سنوات، فيما براميل الأسد تدك رأسه؟…. لقد فقد هؤلاء حسّ الانتماء، وأصبح وطن كل منهم أفواه أولاده الجائعة وذكرى أحباب ماتوا لأجل أن يجلس حفنة من المتاجرين في الفنادق وعلى الشاشات يحرضونهم على الصبر والثبات والجهاد بينما هم يجلسون في أحضان زوجاتهم.

إذا كان ولا بدّ أن ننتقد هذا الفعل الشنيع فلنوجه سهامنا إلى صدور المتسببين وليس الضحايا،؛ المعارضة السياسية بالدرجة الثانية، وبالدرجة الأولى مشايخ الافتاء والكتائب الاسلامية التي تشرعن جرائم النهب تحت مسمى الغنائم، من ادلب إلى كسب إلى دير الزور إلى نصيب عشرات الفيديوهات التي تفخر بها الكتائب الاسلامية بما تسميه (الغنائم)، من أسلحة إلى أرزاق إلى صوامع حبوب إلى آليات إلى ابتزازات وخوّات و زكاة اجبارية و جزية، مهما حاولوا تجميل الأمر فسلوكهم معروف، فهم يرضعون من معين واحد، مرجعية يعرفها جميع المسلمون صغاراً وكباراً وتقع في صميم موروثاتنا الدينية التي تربينا عليها في المناهج الدراسية، وحلقات الجوامع، وفي الثقافة المحلية.

الغريب حقاً أن المسلمين لم يتربوا ولم يتعظوا مما حدث لأجدادهم الأوائل من هذه السلوكيات، فهم يتناسون – قصداً أو بغير قصد- أن الطمع بالغنائم تسبب بهزيمتهم في أحد في السنة الثانية للهجرة والنبي محمد كان لا يزال على رأس جيشه… يتناسون أن الاسلام كاد يومها أن ينتهي لولا لطف الله وتقديره، وأن نبي الاسلام محمد كاد يقتل بعد ما تعرض له من جروح بليغة نجمت عن تكسر أسنانه وانشقاق شفته وفجّ رأسه قبل أن يقع في حفرة في نهاية المطاف.

ثقافة الجهاد في الاسلام بحاجة إلى تصحيح عميق و جريء يضع حلاً لهذه السقطات الأخلاقية والإنسانية، فقد صار –الجهاد- المسيء الأكبر للإسلام والمسلمين، اسأل أي جهادي إسلامي الآن لماذا تقاتل(ليس في سورية فقط)؟ سيكون جوابه في الغالب أمران؛ الغنائم والحور العين (يضعمها زوراً تحت شعار إعلاء كلمة الله)، بعبارة أخرى؛ يقاتل في سبيل النهب والجنس، أي قيمة أخلاقية للقتال في سبيل هذه الأهداف التي لا تماثل إلا أهداف مافيات صقلية؟ كم جهادياً إسلامياً في سورية سمعتموه يقول أن هدفه هو حرية السوريين واعادتهم إلى أوطانهم وتأمين معاشهم وتعليم أولادهم؟ وأتحدث هنا عن الكتائب الاسلامية الجهادية السلفية والقاعدية و لا أعمم على الجميع بطبيعة الحال.

في النهاية؛ تم (تحرير) نصيب في يوم الكذب (1 نيسان)…… الآن سيردّ العشرات بالتقذيع كيف تتكلم عن الجهاد بهذه الطريقة وتسيء للدين؟، وكأن ما يحدث على يد اولئك المتأسلمين ليس هو ما يسيء للدين، بل نحن الذين نشير إلى ذلك،..!! مثال آخر على الكذب على الذات أتمنى أن ينتهي قريباً كي نجلس فنفكر بحل مشاكلنا المستعصية من جذورها وبدون عمليات تجميل وهمية…!!

 

السلطة الرابعة : إياد شربجي

تنويه : مقالات الرأي تعبر عن رأي وفكر كاتب المقال , ولاتعبر بالضرورة عن رأي ” السلطة الرابعة “

شارك