السلطة الرابعة : د علاء الدين ال رشي ..اضرب بوكساً، وابحث عن وجه لتصفعه!!!

السلطة الرابعة : د علاء الدين ال رشي ..اضرب بوكساً، وابحث عن وجه لتصفعه!!!

 ( سيكلوجية المقهور) وصف الكاتب الامريكي وليم ليدرر الشعب الامريكي بأمة من الغنم، وهو نعت استفزازي ومثير لكنه مع قسوته أراد أن يحرك جمود وانصياع الشعب الامريكي ضد السطوة الإعلامية والتحليلية للسياسة الحكومية!!!

ترى لو أردنا أن نسقط وصفاً على شعوبنا فما هو ادق وصف ؟! إننا شعب تائه تتقاذفه منذ قرون طرق ولافتات مضللة أسفرت عن عدم وضوح المسار، بل متاهات حقيقية. تم طرح الكثير من المشروعات “قومية، ومشروعات شيوعية، ومشروعات إسلامية” ولكن تعدد هذه المشروعات كان دليلاً في الواقع على اضطراب الرؤية، ولهذا فلا بد من العودة إلى الخلف تماماً كما يفعل التائه في الصحراء حيث يرجع أدراجه ليبحث عن النقطة التي ضل منها ويستوضح مساره، وبعد ذلك ينطلق ولكن لا يتوقف لأن البعض- أيضاً- يتخذ الماضي كهفاً يرقد فيه، وهذا هو موطن الخطر:

أن نسكن في الماضي، ونبقى نجتر حديثه لشحذ همم الأجيال الحاضرة؛ فحتى بهذا الاعتبار فذلك خطأ، لأن التاريخ وبدليل قرآني، لا يعيد نفسه، فسنَّة الله سبحانه وتعالى أنه يخلق كل يوم جديداً (كل يوم هو في شأن)، والشؤون المتجددة تحتاج إلى نظرة متجددة، وفي الواقع فإن التاريخ في حد نفسه ليست فيه عبرة كما يحلو للبعض وصفه؛ فالقرآن الكريم يذكر لنا أن أمماً كثيرة تعاقبت لم تعتبر بما أصاب الأمم السابقة وارتكبت نفس الأخطاء فانهارت حضارة، لكننا يجب أن ندرس التاريخ والماضي كله ونكتشف سنَّة الأولين، كما يوجهنا القرآن الكريم، ففي التاريخ سنن وقوانين تحكم مسارات الأحداث، وهي كالقوانين الطبيعية( للمادة) يمكن أن تفيدنا لمعرفة الممارسات التي تصطدم مع هذه القوانين والسنن فتؤدي إلى الانهيارات المادية أو الأخلاقية أو السياسية ونسير مع القوانين التي تدفع مسيرتنا إلى الأمام.

نقطة الانكسار بدأت منذ( غياب العقل) وتسييد (تاريخ السلطة) الذي استثمر (سلطة التاريخ) على العقل فكتب تاريخ السلطة ومزجه بالمقدس فصار الاشتباك مع التاريخ معاداة للدين !!! ليس من قوانين النهوض “تجميد العقول” : (أفمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس) وبالنظر في هذا التعبير القرآني نلاحظ ذكر المشي في الناس وليس في الأرض، لأن الإنسان يمشي في الأرض بعينيه اللتين في رأسه أما مشيه في الناس فهو بعقله ووعيه وحسه؛ فالإحساس بالمشاكل هو نقلة في خطاب المفكرين والمصلحين، ويتخذ الخطاب الإصلاحي غالباً في هذه المرحلة لوناً انفعالياً يعتمد على البلاغة والشعر والتهجم على الاخرين واستباحة من يختلف معه ، لاستهدافه إثارة المشاعر والإحساس، لكن هذه المرحلة لا تكون واعية، والوعي فيها هو وعي سطحي، أو عبور نصفي للوعي، ففي هذه المرحلة يتلمس الناس التقليد أو يقعون فيه، ويجب هنا أن ننطلق من أن التقليد العقلي نوعان: تقليد الحاضر،أي حاضر الأمم الأخرى( كما يفعل العلمانيون)، أو تقليد الآباء للأجداد كما هو غالب الإسلاميين ).

وقد اعترى العقل الفقهي والديني والإسلامي علل منها كما ذكرها الامام عبد الحليم ابو شقة

: أولا: الغفلة عن القواعد الأصولية والقواعد الفقهية . – لا مراعاة للأولويات – تحريم المشتبهات , والغلو في الاحتياط – ضعف التنوع والتعدد – نفور عن الحوار والنقاش

ثانيا :الوقوع في بعض المزالق الفكرية الخطيرة :

– التفسير بالرأي – ” الدين يحل جميع مشاكل الحياة ” خلل ألبس لباس المبدأ .

– خلط السماوي بالأرضي “كما يعبر عنه د.خالص جلبي ” ثالثا : سيطرة الأعراض النفسية السلبية :

– الروح الانهزامية أمام الحضارة الغربية – عدم القول برأي لم يقل به أحد من السابقين – طغيان طلاوة الحديث على ضبط المعاني – الركون للتقليد بدلا عن الإبداع – تقديم النوافل على الفرائض – الاتكالية – الخلط بين الثوابت والمتغيرات – السطحية والعجز عن التأصيل – الارتجال وفقدان التخطيط – النزوع لاتهام الآخر – فقدان الثقه – الانشغال بالشعارات بدلا عن المضمون – الفصام بين الفكر والعمل – الكسل العقلي – توهم التعارض بين الدين والعقل – الاهتمام بالخيالات – التعميم في الاحكام – ميوعة المفاهيم – التفكير الاحادي – غياب وميوعة المعايير – التحيز إلى الذات بدلا عن العقل افتقاد الصيغة الناقدة. ونشأ عن هذا الضمور والعلل انواع للتدين ظهرت على ثلاثة مستويات: تديُن الطقوس الشكلية.

تديُن الأفكار والشعارات.

وغاب التدُين الشامل العميق الذي يفقه مصادر الدين فقهاً شاملاً متكاملاً مع مشكلات المجتمع. وأولى سمات التدين الشامل الاعتقاد بمحورية الإنسان وأصالة الفرد وهو ما يمثّل الحجر الأساس للثقافة المدنية الحديثة في مقابل محورية الكهنوت فى النظم الثيوقراطية أو محورية الدولة في الماركسية والنظم التوتاليتارية. ويتبع ويبنى على محورية قدر وقيمة الانسان أصالة الفرد وحريته، أن يكون النظام السياسي هو النظام الديمقراطي، وكما هو معلوم فانّ الديمقراطية تعني حكومة الشعب وأن يكون الشعب رقيباً على الحكومة من خلال مجلس البرلمان والإعلام الحر وأجهزة الضغط الاُخرى،

مضافاً إلى تقليص دور الحكومة بالجانب التنفيذي فقط بعد عملية فصل السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية والقضائية، فصارَ أنّ يتيسّر للشعب مراقبة أعمال الحكام بواسطة البرلمان وتسليمهم للقضاء في حالة الزيغ والخروج على القانون، ومن جهة اُخرى فإن الحكومة تتكفّل ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم وعدم الأخذ بالظنة والتهمة وعدم التدخل في اُمورهم الخاصة كما كان سائداً في الأنظمة الاستبدادية السابقة

٣- الدين يتضمن أموراً ثابتة ويهتم بحاجات الناس المشتركة والفطرية والتي ترتفع فوق مستوى الزمان والمكان، وفي حين أنّ حاجات الإنسان الدنيوية وروابطه الاجتماعية والاقتصادية – التي تُسنّ القوانين على ضوئها – متغيّرة باستمرار وداخلة في أجواء الزمان والمكان. ولهذا لابدّ من الاعتماد على أدوات العقل والعلم في تشخيص هذه الحاجات والعمل على مواجهة المشكلات ومعالجة المتغيّرات بروح عملية تنطلق من دارسة الواقع المتغيّر وحاجات الفرد والمجتمع الدنيوية، وصياغة قوانين ومقررات تتواءم مع هذه الحاجات وتنسجم وهذه المتغيّرات في حركة الحياة وفق ما يتناسب مع اتفاق الناس دون اكراه او ارهاب وهنا يشكل الناس صيغة الدولة التي يريدون من غير اكراه وكذلك يحلون مشاكلهم وفق شرع مؤسس على العقل والعلم .

٤- التعددية ولا نعني بالتعددية هنا، التعدديةالسياسية والاعتراف بتعدّد الاحزاب وضرورة تعدد الواجهات السياسية في المجتمع المدني، وحسب بل التعددية على مستوى الأديان والمذاهب والثقافات والأخلاق وما إلى ذلك، فلا ينبغي أن تنفرد رؤية معينة في مجال السياسة أو الدين أو الأخلاق في تنظيم اُمور المجتمع وتوجيه أفراده ورسم مسيرته السياسية والاجتماعية قسرا واكراهاً ، وإنما يجب الاعتراف بالتعددية في هذه الاُمور انطلاقاً من حق الإنسان في ممارسة حريته في اختيار الدين الذي يرغب في اعتناقه، والحزب الذي يريد الانضمام إليه، والسلوك الأخلاقي الذي يجب أن يسلكه ويلتزم به.

وبعبارة اُخرى، أنّ الحكومة لا ينبغي أن تتخذ لنفسها أيدولوجية معينة وتلتزم بقيم دينية وأخلاقية في مقابل المذاهب المتعّددة في المجتمع المدني، لأنّ ذلك يعني ممارسة الحكومة لنوع من الضغط على الأفراد لدفعهم في اتجاه خاص. مشكلتنا اليوم في عقل ناقص وسلوك أنقص وعقد نفسية تتبدى في بحثنا الدائب عن اختراع عدو والبحث عن وجه لضربه ( بوكساً ) أو صفعه!!!

مشكلتنا في تحويل الدين الى اداة تدفع الى الإلحاد ومخاصمة الناس والحياة … ويبقى السؤال أيهما افضل ان اضرب بوكساً أم ان اكون يدا تصافح الجميع وتنافح عن الخب والخير والجمال ونقاط التلاقي … لماذا لا نتحرر من عقدة المقهور والمتشكي الذي يفكر بالثأر والانتقام ومتابعة خطوات جلاده الى الانسان المتحدي والفاعل ؟!

السلطة الرابعة : د. علاء الدين ال رشي – رئيس المركز التعليمي لحقوق الانسان في ألمانيا …

 

تنويه : مقالات الرأي تعبر عن رأي وفكر كاتب المقال , ولاتعبر بالضرورة عن رأي ” السلطة الرابعة “

شارك