السلطة الرابعة : علي عيد … فاروق الشرع أسيرٌ أم رئيس محتمل ؟

السلطة الرابعة : علي عيد … فاروق الشرع أسيرٌ أم رئيس محتمل ؟

عشرة أيام وأنا أقرأ مذكرات فاروق الشرع “الرواية المفقودة” بتفاصيلها المثيرة، والتي كتبها بروح السياسي ورجل الدولة، والروائي والأديب.
19 فصلاً يبدؤها بصورة الطفل ابن الموظف البسيط الذي ولد في محردة بريف حماة ووصل إلى درعا البلد وعمره تسع سنوات ليصبح وزير الخارجية الأهم في الشرق الأوسط خلال نصف قرن.
خطر لي وأنا أقرأ “الرواية المفقودة” أن أسأل أين هو الرجل الذي لم يظهر منذ وقت طويل، وكيف بات السياسي البارع أسيراً لدى طرفين، طرف النظام الذي استهلك البلاد وعصف بالعباد في عهدي الأسدين الأب والابن، وليس في جعبته إلا سيرة نجاح السياسة الخارجية بجهود الشرع، وطرف الشعب الثائر الذي كان يتمنى خروج الرجل على هذا النظام دون أن يكون معنيّاً بالتفاصيل.
ظلمت الثورة الشرع كما ظلمه النظام، وهو الذي تجرأ بما لم يتجرأ على قوله كثيرون وهو في حضن النظام، وقد ينكر الكثيرون عليه عدم انشقاقه دون أن يجدوا مبرراً منطقياً لاستحالة مثل هذه الخطوة لرجل قال عارفون إنه خضع لرقابة أمنية مشددة منعته من التحرك داخل منزله في يعفور، ووافق النظام على نقله إلى المالكي في دمشق برقابة أشدّ.
هل كان المطلوب أن ينتحر رجلٌ كالشرع حتى يصدق الناس أنه لا يوافق على سياسات بشار الأسد وأجهزته الأمنية، وهو صاحب التصريح الشهير لجريدة الأخبار الموالية للأسد نهاية عام 2012 والذي قال فيه “في بداية الأحداث كانت السلطة تتوسل رؤية مسلح واحد أو قناص على أسطح احد البنايات”. كما أنه صاحب مبادرة الحوار التي أطلق عليها النظام أزلامه الصغار من مستوى عمار ساعاتي ليقولوا في نائب الرئيس كلاماً نابياً لا يحصل في أكثر الأنظمة إنكاراً، لكنه نظام الأسد ومخابراته وعلينا ألا نستغرب ما يحصل.
في مذكراته التي ينهيها عام 2000 بموت حافظ الأسد، يتحدث الشرع بروح ناقدة، ورغم أنه يدافع عن السياسات الخارجية وهو أمر مفهوم بوصفه أحد صنَاعها، إلا أنه لا يوارب في وصف ما يجري في الداخل من فساد وصراع “ذئبي” على السلطة، رغم أنه كتب تلك المذكرات قبل الثورة 2011.
في بلاد تحترم نفسها لا يُظلم رجال كفاروق الشرع خدم البلاد طويلاً وهو المعروف بعصاميته وحسن أخلاقه، وحتى إن كانت مهمة الثورات هدم الأنظمة، إلا أنها لا بد أن تشهد لاحقاً مراجعات لأخطائها.
أزعم أنه ليس بين سياسيي الثورة اليوم من هو كالشرع وإن اختلف الكثيرون حول سياسةِ وأداء نظامٍ كان الرجل أحد أركانه.
لم يكن الشرع فاسداً لدرجة أنه فضل أن يعمل ابنه مضر خارج سورية عندما حاول دسَاسو النظام اتهامه باستغلال منصب أبيه، ولعلها مفارقات القدر أن يكون خصم الشرع داخل جسم النظام فريق على رأسه بثينة شعبان.
خاصم الشرع في عهد الأسد الأب شقيقيه رفعت وجميل لأنه منع ظهورهما الكرنفالي على شاشات التلفزيون خلال تسلمه وزارة الإعلام بالوكالة، وخاض خدام معه حرباً قذرة إلا أنه لم يستطع إقصاءه، انتقد فساد الداخل وانتهازية المسؤولين وتلاعبهم بلبنان من أجل مصالح خاصة.
لا أدري أين يكون الشرع اليوم، ربما هو مريض، أو في الإقامة الجبرية، أو أن اتفاقاً دولياً يحميه للحظة حرجة يكون فيها رئيساً توافقياً رغم قناعتي بأن بشار وعائلته لن يتوانوا عن قتله إذا شعروا به خطراً على وجودهم في السلطة، كلها احتمالات واردة.. وحسبي من الشرع رغم مشاركته في إجراءات نقل السلطة إلى بشار أنه ختم مذكراته بكل جرأة عندما مات حافظ الأسد قائلا: “أنا ضد التوريث”.

السلطة الرابعة : علي عيد

شارك