
السلطة الرابعة : الاتحاد الأوروبي لم يعد بالامكان الوقوف على الحياد فيما الأطفال المهاجرون يغرقون !
خلال الوقت الذي تعمّ فيه الفوضى ليبيا، تزدهر ظاهرة الإتجار بالبشر –خصوصاً الأطفال منهم- ويجد قادة دول الاتحاد الأوروبي أنفسهم أمام التزام اخلاقي من أجل التحرّك لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية، بما لا يقبل الجدل.
في فصل جديد يضاف إلى فصول مأساة يوم الأحد، والمتمثلة في غرق حوالي 800 شخص عند السواحل الليبية، حيث أنقذ 28 واحداً منهم فقط، والذين أحضروا إلى كاتانيا الإيطالية. وبالرغم من أنهم شارفوا على الغرق، إلا أنهم يعتبرون الأوفر حظاً؛ حيث تطفو على سطح البحر عند مالطا جثث بعض هؤلاء، فيما بدأت الطواقم بانتشالها وجلبها إلى الشاطئ .
يمكن إرجاع السبب في هذه المأساة إلى الرؤية القاصرة للاتحاد الأوروبي، من خلال قرار وقف تمويل الحكومة الإيطالية، لتغطية نفقات عمليات البحث والإنقاذ، في نهاية العام المنصرم. حيث تم استبدال هذا البند بإجراءات أقل عبئاً، وأوفر من الناحية الاقتصادية، من أجل ضبط الحدود؛ من الواضح أن هذا القرار كان خاطئاً، وأنه قد حان الوقت لعودة عمليات الإنقاذ.
ولكن ينبغي علينا التمعّن جيداً في جذور هذه المأساة، العديد من هؤلاء الذين يسعون للوصول إلى أوروبا هم من الأطفال، ومن بين هؤلاء الأطفال أيضاً العديد ممن جاؤوا وحدهم، دون أن يرافقهم أي من والديهم، وبدون توفّر أي نوع من أنواع المساندة على الإطلاق، سواء من قبل الأصدقاء أو العائلة. ففي عام 2014، كانت نسبة النصف من الأطفال، ممن وصلوا إلى إيطاليا، بدون ذويهم، ولكن في هذا العام، ازدادت النسبة لتصل إلى الثلثين تقريباً 68%.
هؤلاء الأطفال، يحاولون أن ينجوا بأنفسهم من الصراع، الجوع والاضطهاد الفائقين، في بعض من النزاعات التي تعدّ الأكثر دموية في العالم، في عدد من الدول الفاشية، والذي يمارس من قبل الأنظمة القمعية، بما فيها سوريا، الصومال وأريتريا. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرمين ولكنهم ضحايا لما يمكن تصنيفه على أنه أكبر الأزمات في العالم الحديث..
وقد وثّق أحد المهاجرين حادثة قيام تجار البشر برشّ المهاجرين غير الشرعيين بالوقود، ومن ثمّ إجلاسهم على النار لمجرّد “خروجهم عن النسق”.
العديد من هؤلاء الأطفال كان قد جرى خداعهم من قبل تجار البشر، ووعدهم بإيجاد أعمال لهم، كأن يكونوا حلاقين، مساعدين للباعة في المحلات، وجليسات للأطفال. إذ تمّ إقناع عائلاتهم بدفع الآلاف من النقود، كي يسمح لهم بالذهاب إلى أوروبا، ولكن ما أن يقعوا في قبضة المهرّب، بعيداً عن منازلهم، حتى يصبحوا بلا أي حقوق، أو حماية.
لقد كانت ليبيا، وعلى مدى سنوات طويلة، نقطة انطلاق لآلاف الناس، ممن كانوا يهربون من إفريقيا والشرق الأوسط، بهدف طلب اللجوء، ولكن تدهور الأوضاع في البلاد، سمح لأعمال الإتجار بالبشر والتهريب بالإزدهار. وفي ظل العجز في قطاعات الشرطة، إدارة المؤسسات وضبط الحدود، فقد تمكّن تجار البشر من الحصول على شيء من الحصانة التي تساعدهم على القيام بأعمالهم. أضف إلى ذلك موضوع الطقس الجيد في هذه الأيام، ما أدى إلى تزايد أعداد الناس الذين ينطلقون من الساحل الشمالي لليبيا بشكل صاروخي، خلال الأشهر الماضية.
في الرحلة عبر ليبيا، يواجه الأطفال خطر التجفاف وسوء التغذية، الخطف، الأسر والاستغلال، التعذيب، واسترقاق الأطفال، إضافة إلى تجارة الرقيق والاستغلال الجنسي، حيث أن فريق منظمة “أنقذوا الأطفال” في صقلية، وثق حالة برهان من أرتيريا /17/عاماً/، والذي وصف رحلته قائلاً بأنه أجبر على أن يعتلي ظهر سيارة “بك آب”، ليكون واحداً من 30 شخصاً يجتازون الصحراء الليبية. وقد ورد في شهادته أنه قابل تجار بشر قساة القلب، كانوا يرشون المهاجرين بالوقود، ويجلسونهم على النار لمجرّد “خروجهم عن النسق”.
وأضاف برهان: “في ليبيا، كنا نتناول وجبة واحدة طيلة اليوم، لقد تمّ توقيفنا على مقربة من بنغازي، وكنا نتعرّض للضرب باستمرار، أحياناً باستخدام القضبان الحديدية” وأوضح بأن 63 شخصاً من المهاجرين الذين كانوا برفقتهم قد قتلوا في ليبيا، بينهم 25 شخصاً ممن ذبحوا وقطعت رؤوسهم، وأوضح برهان أن تجار البشر كانوا في بعض الأحيان يتصلون هاتفياَ بأهالي المهاجرين ويسمعونهم أصوات صراخهم وهم يتعرّضون للتعذيب، ويتظاهرون بأنهم يقتلونهم، لابتزاز الأهالي بغية الحصول على المزيد من المال. وحتى الأطفال ممن نجوا من كل هذا التعذيب، كانوا مطالبين بدفع الآلاف، للحصول على مكان في مركب تالف وغير آمن.
كما أظهرت المآسي التي شهدناها خلال الأشهر الستة الأخيرة، فإن هذه الرحلات قد تتم في مراكب متداعية تماماً، ومزدحمة بشكل كبير، حيث يجري احتجاز المهاجرين في الغرف، وتترك المراكب لتمضي في عرض المتوسط دون أن يتولى أحدٌ مهمة القيادة.
ولأنهم يائسون للغاية، فقد هربوا دون أن تكون في حوزتهم أية ممتلكات، ووضعوا أنفسهم تحت رحمة تجار البشر الهمجيين، ومضوا في قوافل عبر الصحراء الليبية من أجل الهجرة، فضلاً عن أنهم أمضوا بعض الوقت في ليبيا، التي لا وجود للقانون فيها في هذه الأيام، ولهذا فإنهم سيتمسكون باستكمال الخطوة الأخيرة في خوض البحر بحثاً عن الخلاص.
تماشياً مع الحاجة الماسة والملحة لتفعيل منظومة بحثٍ وإنقاذ، ينبغي على قادة الاتحاد الأوروبي أن يسعوا إلى بناء دولة مستقرة، داعمة للحكومة في مواجهة هذه الأزمة، دولة تنقذ الأطفال الذين يعملون في العديد من الدول، هؤلاء الأطفال الذين كانوا ضحايا للعنف، الفقر والإحباط في بلادهم، بالإضافة لى تجاهل هذه الدول لمواثيق حقوق الإنسان.
ولكن تبقى هذه المشكلة، مشكلة عالمية، ويتوقع تفاقمها في العقود المقبلة، كما أنها تحتاج إلى المزيد من المصادر، ومن الالتزامات من قبل الحكومات. بعض هذه المسائل سوف تستغرق وقتاً طويلاً لتسويتها، ولكن المحور الرئيسي فيها هي أننا لا نستطيع أن نقف متفرّجين فيما المهاجرون الأطفال يغرقون. نحن لا ندّعي بأنّها قضية سهلة، ولكن –وحتى اللحظة- ما يزال هناك التزام أخلاقي لا مجال لنكرانه، بأنه ينبغي إنقاذ حياة هؤلاء الناس، وعلى قادة الاتحاد الأوروبي أن يستعدوا لذلك بشكل جيد.
الغارديان البريطانية جيما باركين ..ترجمتها للسلطة الرابعة : نور مارتيني