
السلطة الرابعة : جمال سليمان : تعقيباً على بيان القاهرة حول المجازر الحاصلة في سوريا !
تعقيبا على البيان الصادر عن مؤتمر القاهرة و الذي يدين المجازر التي تًرتكب في سوريا جاء عدد غير قليل من التعليقات السلبية و المتهكمة و الاتهامية.
أنني اقدر المشاعر التي يعيشها السوريون و اقدر حالة الغضب و الإحباط، و ربما اليأس، من بيانات الإدانة و الشجب، و من المؤتمرات و الاجتماعات التي لم تستطع حتى الآن ان تحدث اي فارق يُذكر في إيقاف هذه المأساة التي وقعت فوق رأس السوري بصرف النظر اين يقف و من هو. و لكن انا دائما اسأل نفسي و الحالة على ما هي عليه، ماهي الخيارات المتاحة أمام كل سوري فينا؟ ان تبقى صامتا و كأن الأمر لا يعنيك؟ ام تنخرط في العمل العسكري و تختار لنفسك جبهة تعطيك السلاح و المساندة و تكتشف بعد زمن انك تحارب من اجلها و على إيقاعها أكثر مما تحارب من اجل قضيتك؟ ام تقف الى جانب النظام و تدعم حلوله العسكرية الأمنية العنفية التي ترجع إليها المسؤولية فيما وصلنا إليه؟ ام تجلس وراء الكومبيوتر و تتحول عبر مواقع التواصل الى مجرد منتقد كاره و محبط و الكل عندك سواء؟ تخون هذا و تطعن بذاك، موزعاً شهادات الوطنية و صكوك الإعدام ام تتحول الى مجرد بوق للفكر الطائفي الذي يحرض على الإبادة و القتل؟ ام تصبح مجرد ناشر إشاعات و سبّاب شتّام؟ ام تختار ضمن إمكانياتك و وفقا لضميرك و أخلاقك و القيم التي تربيت عليها ان تسعى مع الساعين الشرفاء كي تشرح للعالم ان الشعب السوري لا يستحق كل هذا العقاب لأنه يريد دولة القانون و المواطنة.
و ان الشعب السوري بطبعه ليس دمويا و لا قاتلا، بل شعب عريق، و شريك مميز في تاريخ الحضارة البشرية، و انه ما خرج بغرائز طائفية كي يدمر دولته و مجتمعه و اي إمكانية لمستقبله.
بل خرج من اجل الدولة العادلة و المجتمع المتحضر و المستقبل الكريم؟ انا يا أصدقائي اخترت الأخيرة، و أتمنى أنني أحسنت الاختيار، لانه يعبر عني و عن طريقة تفكيري و نظرتي لوطني و مجتمعي. انا لست افضل من احد، و قدمت اقل بكثير مما قدم غيري، و الثمن الذي دفعته بسبب موقفي هو كبير بالنسبة لي، لكنه صغير بالمقارنة مع الثمن الذي دفعه غيري من آلاف السوريين. أؤكد لكم أنني لم أسافر على حسابكم، و لم أبت في فندق خمسة نجوم او حتى ثلاثة نجوم، و لم آكل “الكوردون بلو” (كما قال احد المعلقين) و لا حتى سندويشة فلافل على نفقتكم. و لم أسعى لأي مصلحة شخصية، بل على العكس، ما انا به أضر كثيرا بمصالحي الشخصية، فكما تعرفون الكل يفضل الفنان الذي يقف على الحياد،و الذي له فم يأكل لا فم يحكي. و انا لم افعل ذلك. و لم ادع يوماً أنني امثل أحداً. و هناك سوريون معارضون مثلي و افضل مني .
انا ككل الآباء احتفل بعيد ميلاد ابني و أكون سعيدا وأنا أراه يكبر، و أنا كسائر الناس، أحب أن أضع صوره على صفحتي كي يراه الأهل و الاصدقاء، و لكنني لا افعل، لأنني اجد حرجا أمام السوريين الذين يحتضنون أولادهم في مراكب الموت عابرين بهم بحار المجهول. اشعر بالخجل أمام أولئك الذين يفقدون أطفالهم كل يوم بفعل البراميل المتفجرة أو القصف العشوائي الذي تقوم به بعض الجماعات المسلحة.
اعرف ان كثيراً من المعارضين كانوا خيبة امل كبيرة، لا يستحقون بأي حال من الأحوال شرف تمثيل بلدهم و شعبهم، و اعرف ان مالا كثيرا أنفق على أنشطتهم غير المجدية بدلا من ان يُنفق على حياة الناس. اعرف ان كثيرين منا استغل هذه المأساة كي يتقدم الى مكانة هو ليس جديراً بها. اعرف أن المعارضة ارتكبت أخطاء قاتلة ستُحاسب عليها في يوم من الأيام، اعرف ان كثيرين منا معنيين بدغدغة مشاعر الناس و بعدد اللايكات التي سيحصلون عليها في صفحاتهم أكثر مما هم معنيون فعلا بالتبصر و التحلي بروح المسؤولية الوطنية و اتخاذ المواقف التي تخدم قضية من يدّعون تمثيلهم.
بالمقابل هناك سوريون أراهم وطنيون شرفاء لا يرون اي إمكانية للحل العسكري، والذي يعنيهم هو وقف الحرب التي اخذت السوريين بعيدا عن اهدافهم، و يعملون ضمن الظروف الدولية و الإقليمية المعقدة، و ضمن إمكاناتهم و فهمهم، من أجل سوريا الحرة، الديموقراطية، السيدة، الواحدة، لكل أبنائها متساوين وفق مبادئ المواطنة. من غير الإدعاء بأنهم يمثلون إلا الذين يؤمنون بفكرهم.
ليت اي واحد فينا قادر على انهاء هذه المأساة غداً ان حرباً أو سلماً. للحرب يا أصدقائي أهلها و انا لست منهم. انا اخترت ان أساهم ضمن فهمي و امكانياتي من اجل الحل السياسي، و كلي يقين ان يومه سيأتي عندما تشعر الأطراف الدولية ان اللعبة، التي كلّفتنا الكثيرالكثير، يجب ان تنتهي. و كل سعينا هو ان نسرّع حصول ذلك. و ثقوا بأن كثيرين ممن يحملون السلاح من الطرفين يتطلعون معنا الى ذاك اليوم. كثير من حملة السلاح ليسوا اكثر من قتلة مجرمين هذا صحيح، و لكن ليس كل حامل سلاح سعيد بأن يكون قاتلاً أو ضحية.
السلطة الرابعة : القاهرة : جمال سليمان